القيم بين المطلق الموضوعي والواقع النسبي

28 يوليو 2022
القيم بين المطلق الموضوعي والواقع النسبي

بقلم فتحي حسن ملكاوي

وطنا اليوم_يبني الإسلام تكاملاً قيمياً فريداً يطلق عليه “دراز” مصطلح “الازدواج”، حين يجمع بين “الصيغة المجردة لقاعدة عامة، والتحليل الدقيق للحالة الخاصة”، فبهما معاً تتكامل متطلبات الهداية لما على الإنسان أن يختاره.

إنه تركيب بين المثل الذي يأتي من الأعلى، وظروف الواقع التي يمكن لهذا المثل أن يتجسد فيه، فالمثل الأعلى هو المطلق الموضوعي، والواقع هو النسبي والذاتي. وقد زود اللهُ سبحانه الإنسانَ بالقدرة على هذا التوحيد والتقريب بين طرفي المعادلة، والربط التكاملي بين عناصرها، بالاعتماد على الضمير البشري المهتدي بالوحي، وبذلك يتحقق ما يسميه دراز “الازدواج بين ثبات القانون الأزلي وجدة الإبداع الفني”.

إن الإلزام الخلقي في القرآن الكريم يقوم على مراعاة هذه الحقيقة المزدوجة: ويتمثل ذلك في دلالة قوله سبحانه: فاتقوا ما استطعتم، فهي تجمع بين المطلق والنسبي، بين الموضوعي والذاتي. فالمؤمن يتوجه إلى الله سبحانه طاعةً لأمره، ولكنَّ سعيه العملي سيكون محكوماً بوُسْعه وطاقتِه وبظروف الواقع الذي يعيشه، فهذه هي الطبيعة البشرية كما أراد الله لها. فكما أنَّ للقيمة موضوعيةً لا بد أن تؤخذ بالحسبان، فللإنسان الذي سوف يلتزم بالقيمة ذاتيةٌ لا بد أن تؤخذ بالحسبان كذلك. والحكم القيمي إنما يتحقق من النظرة المتكاملة بين الأمرين.

من بحث “الصراع على مرجعية القيم في العالم المعاصر”