الشخير الوطني ( لمن يقرأ)

30 يونيو 2022
الشخير الوطني ( لمن يقرأ)

بقلم : سهل الزواهره

كما للأَوطان سلام وطني يبعثُ ترديده على الفخر و السمو ، كذلك لها شخير وطني وهو صوت بشع بلا نوتة و لا نسق إذا ساد و تمدد فهو إعلان و إيذان لكل لصوص الدنيا أن الطُرق مُمهدة للسطو على المقدرات و المستقبل و على وقعهِ تضيع المسؤولية و تتداعى السُلطة و يصبح الحبل جاني و يُصبغ بدماء الأبرياء و تتعملق الإشاعة و تتلاعب في أدمغةِ الجماهير التَّواقة فتغدو الجامعات حلبة للرصاص و التنفيع و يتفنن كل صاحب هاتف و يتقمص دور “روبن هود” مُستلًا سيفه التواصلي مُشرِقًا و مُغرِبًا يُؤازره حُكومات من عصورِ ما قبل الخشب محكومة بالتيه و الهشاشة فلا تنطلي أصوات أبواقها على نِسناس و لو كانت على حق ، فالصدق إن لم يسنده منطق و حجة انسكب و ضاع على أرض تتسارع تسارعَ الذر على قطعة من حلوى و يُصبح هو و الباطل وجهان لذات العملة التي رُبطت جذورها الواهية في مصارف التكبيل و السوق إلى مذابح الأوطان ومشارد الولدان ، و يرى الناس مصارعهم و تبخُر أمانيهم كنائم جثم الشيطان على صدره فيصرخ بلا مجيب و لا مشفق .
أوطان لا يُطاع فيها لِقصير أمر و لا يُستشار أهلها في هلاك و لا دعة ، و تضرب الأحلاف حُدودها و يحيط بها خوف رمادي يُبقي مُستقبلها رهنًا على ضربات حظ أو أماني حالم تحت رحمة أعاجم تربعوا في الصحراء وعسكروا رمالها و أطناب بيوتها ، ويتم التلاعب بالصورة تكبيرًا و تصغيرًا بمزاج الآمر الذي تألهت مصالحه و هوى ما دونها من منابر و مصائر ، و تنطلق أنامل “مير جعفر” و حزبه لتُسطر ملاحم الكذب و التخذيل و التبرير لتلبس على القلة الباقية أمرهم و تقتل في نفوسهم روح “ابن أبي الغسان” و تجعل التسليم بطولة و المقاومة عبث و تصبح الدنيا كلها كمغارة “دونجا” الملعونة و التي غفلنا عنها حتى أصبحت قدرنا و اصبحت خفافيشها رموزًا مؤصلةً للعهود الجديدة المديدة و فيها تصحو سدوم و عمورة لتُبعث من جديد مسنودة برياح الحرية المزورة و فيها تنام الحمية و الفضيلة نومة أهل الرقيم أو أشد .
إن القمة في بؤس الأوطان تتجسد حين تكون الخطوب عظيمة و الشخوص أقزام سقيمة تلهث خلف عروض الدنيا من قصور و ظهور و مراكب متعامية عن أسباب وجودها الحقيقية فلا تراها إلا متأنقة مفتخرة بحفظ اسماء دور الأزياء و مقاهي أوروبا أكثر مما تحفظ من اسماء قُراها و بواديها و أعينهم دائمة الدوران باحثة عن أدراج جديدة تعتليها لتنعم بالأنسام المسروقة ضاربة عرض الحائط بالحرث و النسل فالقاع في مذاهبهم لا يليق بالسادة و كل خبث الدنيا لا يحمل وزره في كميائهم إلا الرعاع من أهل الكد و العرق .
نعم الأوطان لها شخير و هذا الشخير ينطلق إذا نام ضمير من أمَّنه الرعية على أنفسهم و عيالهم و أرزاقهم ،نعم ينطلق إذا أصبحت الإمارة بابًا للإدخار و التجارة و كثر المستشارون و غابت الاستشارة ، نعم ينطلق إذا أصبحت المواقع مُغلفات رِشى و تمكين للبهاليل على صدور الخلق و أهل الحق ينهبون هذا و يسبون ذاك باسم المصلحة الهلامية التي ضلت الطريق فباتت لا تصب إلا في جيوبهم و حساباتهم السرية ، نعم ينطلق إذا اختزل التاريخ و الجغرافيا و وضع كل ذلك في طبق فضي على مأدبة كل أصنافها حرام تلوك زهرتَها اسنانُ اللئام فتحيلها أثرًا بعد عين و تبيع ما تبقى منها في أسواق النخاسة لمن يدفع أكثر أو لمن له شخير بموسيقى جديدة تبدأ معها رحلة سقوط آخر و ربما الاخير ….