د. مصطفى التل
لا أخفيكم أشعر بحزن عميق عندما أقرأ عن رحيل فنان أردني من العصر الذهبي للفن الأردني , ذلك العصر الذي ارتبط بالأرض والانسان والوطن ,وقضايا الامة .
فن قال كلمته في معترك عالمي يبذل قصارى جهده في التغريب والتمييع للقيم , حاول الفنانون قدر امكانهم بما يخالجهم من قيم هذا الوطن , من الأخلاق الأصيلة , والحشمة المطلوبة , والرسالة الواضحة , في ايصال رسائل الوطن والأمة للداخل والخارج , مفادها ( نحن أبناء جيل لا يتهاون ولن يتهاون في قضاياه ) .
فن غير مبتذل , وليس رخيصا أخلاقيا ولا جسديا ً , فن انطلق من منظومة الشعب الأردني وأخلاقه ورسالته الجمعية , رسالة الأخلاق التي يجب أن تصان , رسالة العرض والأرض .
هشام هنيدي , ذلك الفنان الذي حصل على بكالوريوس حقوق , وماجستير اخراج سينمائي من موسكو , وسط نظام شيوعي قاتل , لم يتغرّب ولم يغُيّر رسالته الجمعية , لم يتبدّل , لم يعتمر فوق رأسه قبعة روسية ويضع في فمه غليون روسي , ولم يعوج لسانه باللهجة الروسية ليقال عنه (مثقف ) .
هشام هنيدي , ذلك الفنان الذي أسر القلوب في المسلسلات التاريخية من عمق تاريخ هذه الأمة , شخّصها واقعا على الأرض , ترى الابداع في تشخيصه , وترى الشخصية حيّة أمامك تكاد تلمسها بيديك , رحل اليوم وترك ارثاً فنياً وطنيا , ترك رسالته التي تقول ( هذا البلد من تلك الأمة )
هشام هنيدي وموسى حجازين وغيرهم , لم يبيعوا الأخلاق في سبيل حفنة من مال , ولم يبيعوا جسدا في سبيل شهرة , ولم يبيعوا وطناً وشعباً وأمة في سبيل شركات مشبوهة على الشبكة العنكبوتية .
لم يعرفوا -نتفليكس – ولم يعرفوا (مدرسة روابي) ولا يعرفون ( جن ) , ولم يسعوا إليها , ولم يكترثوا بها , فهم من ملح هذه الأرض , متمسكون بها , وبأهلها وبشعبها , حتى آخر رمق من حياة في هذا الجسد .
هم ليسوا أصحاب مليارات , وليسوا أصحاب كراسي وشهرة ثمنها المبدأ , هم أناس بسطاء , يمتطون السرفيس في وسط البلد , ومثقلون بالديون شأنهم شأن الشعب الأردني , لا أعرفهم شخصيا , ولكنهم كما هو واضح من طريقة معايشة آلام هذا الشعب , انهم منخرطون في كل كبيرة وصغيرة داخل أدق تفاصيل معاناة هذا الشعب , غير منسلخين عن واقعه , لذلك تجدهم من طبقة المعوزين الفقراء الذين كفروا بكل شيء اسمه ( بيع المبدأ ) .
هؤلاء هم نجومنا وفنانونا , هؤلاء هم الوطن والوطن هم , لا ننساهم وسط لمعان نجوم باعت الجسد والمبدأ والأرض , ووصلت الى العرض , تمتلئ بهم الشاشة الصغيرة والكبيرة , وهم أصحاب المليارات العارية عن أي مبدأ واي انتماء للأمة والأرض .
رحم الله الفنان هشام هنيدي .وأطال الله بعمر من تبقى من ذلك العصر , عصر المبدأ والقضية والأرض والدين والعرض .