“اتهامات بالتَّحرش”.. وسيلة إعلام تنتهك أدبيات الصِّحافة وتُسهم بمزيد من التَّشهير

7 يونيو 2022
“اتهامات بالتَّحرش”.. وسيلة إعلام تنتهك أدبيات الصِّحافة وتُسهم بمزيد من التَّشهير

وطنا اليوم –  انتهكت وسيلة إعلام محلية أدبيات العمل الصَّحفي وأخلاقياته في تغطية قضية اتهام أستاذ جامعي بالتَّحرش بعدد من الطَّلبة في إحدى الجامعات الأردنية، ما تسبَّبت بمزيد من التَّشهير بحق المتَّهم، ولم تمنح الأطراف جميعها في القضية المساحة نفسها، وأدوات الظهور التي تضْمنها المحاكمة العادلة، حيث ظهر المتهم صوتًا وصورة، بينما ظهر الطَّرف الآخر صوتًا، وتحدث بعضهم عن تسعة أشخاص آخرين.

(أكيد)-يستحق كلُ متَّهم بأيَّ قضية كانت أن يحصل على ظروف المحاكمة العادلة أمام الجهات المختصة بما فيها لجان التَّحقيق الدَّاخلية بعيدًا عن التَّشهير، حيث يحصل هناك جميع الأطراف على حقِّ الظهور بتوازن ورواية القصة، وتقديم البينات الدِّفاعية. وهناك سلسلة قضائية تتمتع بالضابطة العدلية تستطيع التَّوصل للحكم بين المتخاصمين. وفي كلِّ الحالات، سيخضع المُدان للعقوبة وتنتهي القضية فلا تبقى بمحركات البحث طويلًا أملًا بالنسيان وعدم تضرِّر المقربين من الشَّخص المُدان سنوات طويلة.

تتبع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد)، تغطية وسائل الإعلام المحلية لاتهام أستاذ جامعي بالتَّحرش بعدد من الطَّلبة في إحدى الجامعات الأردنية، وتبين أنَّ وسيلة إعلام محلية انتهكت أدبيات العمل الصَّحفي وأخلاقياته، وتسبَّبت بمزيد من التَّشهير بحق المتَّهم، ولم تمنح الأطراف جميعها في القضية المساحة نفسها، وأدوات الظهور التي تضْمنها المحاكمة العادلة، حيث ظهر المتهم صوتًا وصورة، بينما ظهر الطَّرف الآخر صوتًا، وتحدث بعضهم عن تسعة أشخاص آخرين.

ورصد (أكيد) حلقة تفاعلية بُثَّت على وسيلة إعلام محلية مرئية، واستضافت شخصين وجاهيًا، والأستاذ المتّهم عبر سكايب، وطالبتين قالتا إنهما تعرضتا للتحرَّش، وقالت إحداهما إنَّها تتحدث باسم تسع طالبات غيرها، بالإضافة إلى أحد الناشطين من طلبة الجامعة التي تدور أحداث الرواية فيها، وهنا بدأ ارتكاب المخالفات المهنية الجسيمة، والتي كان أُولاها عدم منح الجميع الحقِّ نفسه بالظهور، وهذا الأمر غير مقبول في التَّحقيقات الأمنية أو في لجان التَّحقيق، وبالتالي خالفت الوسيلة معيارين، هما: عدم الحياد، والابتعاد عن التَّوازن.

ولاحظ (أكيد) أنَّ المتَّهم بموافقته على الظهور في الحلقة، لا يعني أنَّه يُدرك خطورة الآثار التي ستلحق به مستقبلًا، وأنَّ وسيلة الإعلام وحرَّاس البوابة هم الأكثر معرفة بما سيلحق به من ضرر كبير قد يستمر سنوات عديدة مقبلة، وسيتضرَّر هو وكل من يرتبط به، ولن يستطيع امتلاك الحق بالنسيان بانتهاء القضية والحصول على الحكم أيًّا كان ذلك سواء بالإدانة أو بالبراءة أو عدم المسؤولية.

وأسهمت الوسيلة بمزيد من حملة التَّشهير بالأستاذ المتَّهم، وأنَّها قامت باجتزاء إجاباته صوتًا وصورة وبثِّها على صفحتها الخاصة على موقع التَّواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ما أسهم بمزيد من الانتشار والسخرية والشتم والمحاكمة غير العادلة على منصَّات النَّشر العلنية.

ارتكبت الوسيلة مخالفة أخرى، هي قيامها بإجراء محاكمة غير عادلة للمتَّهم في القضية والاستماع للطَّرف الآخر بأدوات وشروط محدَّدة لم تنطبق على الجميع، وكان بإمكان الوسيلة تناول قضية التَّحرش بشكل عام.

ووجهت الوسيلة للأستاذ أسئلة من روايات على وسائل التَّواصل الاجتماعي غير مثبتة، ولم تتحقَّق من الحساب الذي بثَّ هذه الرواية بحقيقة وجود ملابس معلقة على باب مكتب الأستاذ المتَّهم، وهنا أيضًا اجتزأت الوسيلة هذا المقطع وقامت بنشره عبر حسابها على منصة فيسبوك، ولاقى رواجًا كبيرًا وأحدث موجة من التَّعليقات ضدَّ المتَّهم الذي نفى تلك الرِّواية، ولم تقم المتداخلات بإثباتها أيضًا.

وتتبع (أكيد) انتشار الحلقة على مواقع التَّواصل الاجتماعي: تيك توك وفيسبوك وإنستغرام وتويتر وتيليغرام وواتساب، وتبين أنَّ الممارسة الفضلى من الوسيلة كان يجب أن تتجه إلى التَّركيز على عمل لجان التَّحقيق والتَّواصل بشكل يومي مع رئيس الجامعة والابتعاد عن الأطراف المشتركة بالقضية حماية لها لأنَّ وسيلة الإعلام لها دور واضح وصريح ونبيل يضمن حق المعرفة للمجتمع، وعدم امتهان كرامة الإنسان.

ورصد (أكيد) مقابلة أخرى على وسيلة إعلام عربية للمتَّهم بالقضية، وتبين أنَّ الوسيلة ارتكبت المخالفات المهنية الجسيمة نفسها التي ارتكبتها الوسيلة المحلية في وقت لاحق من هذه المقابلة، وحملت أسئلة المذيعة ولغة جسدها موقفًا مسبقًا من المتَّهم الذي حاول تبرير موقفه مع أنَّ الأسلم له عدم الظهور سوى أمام لجان التَّحقيق والسلطات القضائية التي تحمي حقَّه بالمحاكمة العادلة، وحقَّ الطَّرف الآخر بالحصول على حقِّه.

وتبين من رصد المقابلتين على وسيلة الإعلام المحلية والعربية أنَّهما قامتا بإجراء محاكمة علنية على الهواء دون امتلاكهما حق الضابطة العدلية، وتسبّبتا بمزيد من التَّشهير بالمتَّهم، وعدم ظهور الطَّرف الآخر كما ظهر المتَّهم، بالإضافة إلى توجيه أسئلة من روايات انتشرت على التَّواصل الاجتماعي، وتسبَّبت بمزيد من التَّشهير بالشَّخص المتَّهم.

ونشرت وسيلة إعلام محلية مقطعًا مصورًا قالت إنَّه رواية إحدى الطَّالبات اللواتي تعرَّضن للتَّحرش من الأستاذ المتهم، وهنا كانت الرواية من طرف واحد غير متوازنة ولم يُترك الشهود وأطراف القضية للسَّير بإجراءات المحاكمة العادلة بدءًا من الشكوى والاستجواب والتحقيقات وانتقالًا إلى المحاكمة العادلة أمام السلطة القضائية.

واعتمدت وسيلة إعلام محلية ثالثة على منصَّات التَّواصل الاجتماعي، وسردت قصَّة التَّحرش في إحدى الجامعات، رغم أنَّ روايات ومعلومات التّواصل الاجتماعي هي مصادر غير موثوقة، وتحتاج إلى التَّحقق، وعلى وسائل الإعلام عدم الانقياد خلفها حماية لجمهور المتلقين من التضليل والتشويش وانتهاك الخصوصية.

ويرى (أكيد) بعد رصد تغطية هذه القضية من قبل عدد من وسائل التَّواصل الاجتماعي والتي تمثلت بـ: فيسبوك وتيك توك وتويتر وإنستغرام، ووسائل إعلام محلية وعربية ما يلي:

أولًا: المحاكمة العادلة تقوم بها الجهات القضائية المختصَّة ولجان التَّحقيق جزء منها، ودور الإعلام يكون بمتابعة هذه القضية أولًا بأول دون التَّأثير على سير المحاكمة العادلة.

ثانيًا: حق الجمهور بالمعرفة لا يتعارض مع إجراءات المحاكمة العادلة، لكنه يتعارض مع خصوصية القضية وما يُسمح بنشره دون تشهير أو انحياز لطرف على حساب طرف.

ثالثًا: جميع الأطراف المعنية بالقضية يظهرون بتوازن في جميع مراحل القضية من الاستجواب وحتى صدور الحكم النهائي من السلطات القضائية، لكن في وسائل الإعلام لم يحصل هذا الحق.

رابعًا: وسيلة الإعلام تضبطها معايير مهنية وقانونية تمنعها من نشر محاضر التَّحقيق وهي سرية ويجب احترام ذلك وعدم انتهاكه.

خامسًا: قد لا يدرك المتَّهم أو الطَّرف المشتكي خطورة ظهوره في هذه المرحلة من القضية على وسائل الإعلام والتي قد تمتد طويلًا، إلا أنَّ وسائل الإعلام وحرَّاس البوابة فيها يعلمون جيدًا أنَّ المعايير المهنية والأخلاقية تفرض عليهم عدم إظاهر أطراف القضية على منصاتها وشاشاتها.

سادسًا: تضمن المحاكمة العادلة الحق بالنسيان والحصول على العقوبة بمقدار الفعل إن ثبتت الإدانة، لكن نشر وسائل الإعلام لمقاطع للمتَّهم والأطراف المشتكية لن يسمح لهذه الأطراف بحقها في النسيان، بل سيستمر ذلك طويًلا على محركات البحث.

سابعًا: تمنع المعايير المهنية اتخاذ مواقف مسبقة ضدَّ المتَّهمين في أيِّ قضية تهم الرَّأي العام، ويجب أن لا تكون أسئلتهم ولغة جسدهم دالة على ذلك لأنَّها تذهب بهم لمخالفة معايير الحياد والمهنية والموضوعية.