غربة المرء في وطنه

2 يونيو 2022
غربة المرء في وطنه

دينا خالد

يغادر المرء وطنه فتنهش عظامه الغربة ؛فيغدو في البدايات وحيداً وغريباً بين أناس لا يعرفهم، ثم يعتاد ويتأقلم فيحيا مجددًا.

لكن هل تخيلت يوماً كيف يمكن للمرء أن يتغرّب في وطنه وبين أبناء شعبه؟ وليس له أن يحيا مجددًا كأي غريب؟ 

الغريب في وطنه هو الفقير 

 الذي يستيقظ قبل أولئك اللذين يستيقظون ظهراً فيجدون وجبة الفطور تنتظرهم.

الغريب في وطنه هو الفقير الذي يمضي كل يوم مرتديًا قميصًا من نارٍ، قميصَ الجوع والفقر، باحثاً عن لقيمات يحيي بها أفئدة أطفاله.

أتدري أين يمضي؟

يَمضِي في شوارعِ وَطَنِه يَبحثُ عَن طعامٍ فائضٍ عن حَاجةِ أهل وطنه ، تلك الشوارع التي يفترض أنها ملجأه الآمن ، يمضي بين أولئك الناس الذين يُفترض أنهم أحضان تَحضن جوعِه.

 

إنها لمفارقة عظيمة أنه في حين أن أهل الوطن يتضورون حيرةً ماذا يأكلون اليوم، هناك فقراء يتضورون جوعًا وقهرًا وألماً كُل يَوم.

يا لسعادة الفقير حين يعثر على وجبة على جانب الطريق، اشتراها أحدهم، وجبة تفوق حاجته، فأكل منها القليل وَألقى ما تبقى منها.

الفقير الذي يدعو الله أن يجد طعاماً لأطفاله، سيجد هذه الوجبة عظيمة، ولا فرحة تضاهي فرحته.

لكن ماذا عنك أنت عزيزي القارئ؟ 

اقرأ بين سطور هذا الموقف الذي يتكرر كل يوم ومرات عديدة ، ولا استبعد أنك في يومٍ ما قد فعلت ذات الشيء؛ اشتريت ما يفوق حاجتك ومن ثم ألقيته.

 

وهناك أيضًا أبٌ يعود إلى منزله حاملاً كل ما يشتهونه أطفاله بينما هناك أب آخر يعود حاملاً خيبته وحزنه على أطفاله الجِياع.

تأمل مثل هذه الحوادث،كَم هو أمرٌ مُحزن ومأساوي! 

وكم هو مؤسف أن يعيش الغني متجردًا من إنسانيته، مستبعدًا مسؤوليته التي تُوكله بمساعدة أخيه الفقير.

الحكومات والأغنياء مسؤولون كل المسؤولية عن كل من لا مأوى له،وعن كل من لا يجد حتى رغيف خبز، وعن كل من يفتقر إلى أعظم حقوقه وهي الحياة الكريمة بعيدًا عن الذُل والجُوع والهَوان.

 

كل ما ذكرته أعلاه يشمل الوطن العربي الإسلامي بأكمله وليس الأردن على وجه الخصوص ولا أقصد الفقير الذي اختار أن يكون فقيراً ولا أقصد الفقير المتواكل و لم ولن أشجع الفقير على الاعتماد على غيره وأن يقف مكتوف اليدين ينتظر طعامه يصل إلى باب منزله ولكن وبكل ما أعنيه أشجع على إيجاد حلول منطقية ليس لدفن الفقر بالكامل وإنما على الأقل للحد من مدى انتشاره.

فكان إنهاء الفقر والجوع واحد من ضمن ١٧ هدف من أهداف خطة التنمية المستدامة والتي وُضعت من قبل الأمم المتحدة لعام ٢٠٣٠. وهناك العديد من المناهج والتشريعات إسلامية للتعامل مع الفقر. ومن بعض هذه المناهج:

١- العمل: حيث يجب أن يعمل الفقير وإن لم يجد عملاً ، فذلك يصبح دور الدولة أن تجد له عملاً ودور الأغنياء القادرين على دعمه ماديًا ليبدأ عمله الخاص به.

 

٢- الزكاة: حيث أن الفقير هو المستحق الاول للزكاة في قوله تعالى: ” إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليم حكيم” التوبة آية ٦٠ 

٣- الصدقات بكافة أنواعها كصدقة الأقارب الأغنياء على قريبهم الفقير ،وتقديم المال والطعام للفقراء وكذلك صدقة الجيران.

 

٤- أن يلتزم المسلم بأداء الكفارات: فعندما يقوم بعمل أمر منهي عنه أو يقصر في أمر مفروض عليه حيث أن معظم الكفارات تتطلب إطعام ١٠ فقراء أو كسوتهم أو تحرير رقبة.

 

٥ – دينا كفالة الدولة سواء بتوفير العمل أو المال والطعام.

 

وأنني أؤمن أشد الإيمان أننا لو طبقنا كل هذه التشريعات لما كنا وجدنا فقيراً.

 

و في النهاية عزيزي القارئ الحل يبدأ من عندك وأضعف الإيمان وأسهل الحلول أن تهدي الفقير فائض طعامك بدلاً من أن تلقيه على جوانب الطريق.

 

كن أنت البداية، اقتل غربة أخيك الفقير الذي يعاني منها في وطنه وبين ناسه ، قبل أن تقتله الغربة والوحدة والعجز.