أحلام على قارعة الوطن
كم ترهقنا هذ اللعبة التي تسمى الانتخابات، ملايين الملايين تنفق ولا ديموقراطية ترى ولا ما يحزنون، إنها مأساة وطن لا يؤمن بتعددية حزبية ولا بتداول المناصب ولا بترميم الكراسي ولا باستقلالية السلطات ولا بحوكمة حزبية راشدة، وكل يغني بليلاه حتى ولو كانت من الخشب أو من القصب، هل نحن في مسرح نعرض فيه مآسينا التراجيدية أم قد تحولنا نحن إلى ممثلين على مسرح ليس فيه متفرجون، ناخب ومرشح يشتركان في الصفقة وينضم إليهما السلطة التنفيذية لتأخذ حصتها من المباركة والتزكية بأيد مبسوطة لكل أنواع الوصولية والنفاق ثم ندعي مثالية أفلاطون في مدينته الفاضلة وندع الآخر يحترق في قعر الكوميديا الإلهية.
كم نقسو على وطنية لا يرعاها حق رعايتها إلا ثلةٌ من شهداء غارت دماؤهم في شقوق الأرض وتغلغت في شرايين السماء ولم تلامس منا حتى أطراف أظافرنا وأصباغ أقنعتنا التي عافت الوجوه وتراكم الطلاء حتى لم تعد أقنعة بل اختفت خلف وجوهنا فهل نحن كراسي البلد أم أن أرجل كراسيها نحن، وهل نحن أسنة رماحها أم أن خشبها نحن، لمَ ينافق المنافقون وحتام، هل يستحق منا وطننا هذا الرقص على أوتاره حتى لقد تقطعت تحت أقدامنا ولم نفرق بين الأقدام والرؤوس أو بين الزوائد والأنوف، كلما تقدم الزمان بنا أوغلنا في عصور الغزو القبلي وما قبل حجرية المواطنة الخرساء، ألسنتنا قد ران عليها قتام الرهبانية الخادعة، وفي أقلامنا بقايا حبر رمادي اللون وفي مصافحاتنا تختفي كراهية القلوب وفي زوايا ابتساماتنا يتراقص النفاق على وقع انفراجاتها.
حتى الأحلام التي توغلت في غابات الهزيع الليلكي تحلم بأن تكون على قارعة الوطن نزاهة وشفافية وصوتا وفرحا وخضرة وغيثا وغماما وحقا غائبا يزهق باطلا زبديا، لقد أتعبتنا أحلامنا وزدناها رهقا عسى أن يكون في الجو غيم وفي الغيم غيث وفي الغيث حياة. لن ينكسر الوطن ولن يسّاقط أو ينبو أو يتثلم، ثمة عقوق وتفريط وخدش وانحناء من أبناء حسبوا أنهم قد رموه في الجب ذات غم وعتم لكنه طلع كالفجر بدرا وكالشفق وسقا وكيوسف بشرا سويا، هذا وطن أكبر من كل الرؤوس وأعلى من كل الأعالي، يتجلى على صباحات الشهداء شمسا وعلى ليالي العاشقين قمرا وفي جفون الزمان وسَنًا وقلائد من شيح ؤأقحوان لم يتغير شكله أو لونه أو حتى طعمه، هو الأردن الذىَي استعصى على الانحناء والتلاشي رغم تكاثر أسباب الفناء وأسنة الرفاق.
أ. د. خليل الرفوع