وطنا اليوم:كانت سنة 2011 محطة في تاريخ الاصلاح السياسي في الأردن، ففيها تشكلت لجنة الحوار الوطني برئاسة رئيس مجلس الأعيان آنذاك طاهر المصري، ونتج عنها تغييرات في قانوني الأحزاب والانتخاب الذي أجريت على أساسه انتخابات المجلس السابع عشر.
بموجب ذلك القانون تم رفع مقاعد المجلس في نسخته الأولى الى 140 مقعدا، خصص منها 17 مقعدا للقوائم الانتخابية ومثلها لكوتا المرأة.
أحالت حكومة د. عون الخصاونه مشروع القانون لمجلس النواب السادس عشر في أواخر دورته العادية في شهر نيسان 2012، ودعي المجلس للاجتماع في شهر حزيران وفي دورة استثنائية أعتبرت الأولى في حينه لمناقشة واقرار القانون الذي مر من مجلسي النواب والأعيان بسلاسة.
المفاجأة كانت سريعة ومباغتة وعلى غير المتوقع إذ فور إقرار القانون من مجلس الاعيان وحل الدورة الاستثنائية صدرت إرادة ملكية مفاجئة في 29 حزيران دعت المجلس للاجتماع في دورة استثنائية ثانية لتعديل قانون الانتخاب برفع عدد مقاعد القائمة الوطنية من 17 مقعدا الى 27 مقعدا، واستجاب المجلس للرغبة الملكية واقر التعديل سريعا في شهر تموز.
دعا الملك عبد الله الثاني الحكومة آنذاك لما أسماه”اتخاذ الاجراءات اللازمة بالتنسيق مع السلطة التشريعية لمعالجة بعض المواد الواردة في القانون ،خصوصا ما يتصل منها بالقائمة الوطنية “.
واعتبر الملك في حينه ان القائمة الوطنية ” تعد ركنا رئيسا في تطوير الحياة الحزبية البرامجية، وتوسيع قاعدة التمثيل والمشاركة السياسية والشعبية على مستوى الوطن “.
لاحقا حل الملك مجلس النواب السادس عشر وأجريت انتخابات المجلس السابع عشر في شهر كانون ثاني 2013 على أساس القانون الجديد، وفي افتتاح الملك لأعمال الدورة غير العادية لمجلس النواب السابع عشر قال جلالته بوضوح في خطبة العرش “لقد أجريت الانتخابات على اساس قانون انتخاب جديد لم ين مثاليا، ولكنه حظي بالتوافق الوطني المتاح، وعليه ندعو لمراجعة هذا القانون بناء على تقييم تجربتكم، ومراجعة نظام الانتخاب بحيث يحظى بالتوافق، ويعزز عدالة التمثيل..”.
يكشف رئيس الوزراء الاسبق رئيس مجلس الاعيان آنذاك في مذكراته “الحقيقة بيضاء ” الصادرة سنة 2021 تفاصيل التغيير المفاجيء في قانون الانتخاب ولماذاتم رقع عدد مقاعد القائمة الوطنية العامة من 17 مقعدا الى 27 مقعدا قائلا” في المؤتمر الصحفي الذي عقدته للاعلان عن نتائج اعمال اللجنة وضعت مصطلحا سياسيا جديدا للقاموس السياسي الأردني وهو ان النظام السياسي الاردني ينبني على اساس التطور ( Evolution ) وليس على أساس الطفرة او الثورية ( Revilution )، ولهذا كان البناء الكياني الاردني قوي بسبب هذا المبدأ الذي يعتمد التدرج في استيعاب المجتمع والبناء على المنجزات ، وقد اكدت في المؤتمر الصحفي على هذا المفهوم اثناء تقديمي للفسم السياسي من توصيات الحوار الوطني “.
ويضيف المصري ” بعد ذلك وضعت الحكومة مشروع قانون جديد للانتخابات النيابية اعتمدت فيه على توصيات لجنة الحوار التي خصصت فيه للقوائم الانتخابية العامة 17 مقعدا، واحالته الى مجلس النواب الذي أقره بصيغته تلك، واحيل الينا في مجلس الاعيان لاقراره “.
ويكشف طاهر المصري كيف تدخل سفيرا بريطانيا وأمريكا لتعديل القانون بحيث يتم رفع عدد المقاعد المخصصة للقوائم الوطنية العامة من17مقعدا الى 27 مقعدا قائلا” فوجئت برغبة بعض السفارات الأجنبية في عمان وتحديدا السفارتين الامريكية والبريطانية برفع عدد المقاعد المخصصة للقائمة الوطنية، وظهر لي ان هذه الرغبة تم تقديمها مباشرة للديوان الملكي وليس لمجلسي النواب او الاعيان “.
ويستطرد المصري قائلا ” وبينما كانت اللجنة القانونية في مجلس الاعيان تدرس القانون زارني السفير البريطاني( بيتر ميليت ) وسألني اين وصلنا وماذا قررنا بالنسبة لعدد مقاعد القائمة الوطنية، فأجبته بانها 17 مقعدا، واستغرب من ذلك قائلا”انه متفق مع الديوان الملكي ان يكون العدد 27 مقعدا”.
ويتابع ” لم ارد على ما قاله او مناقشته في مدى حقه بالتدخل في أمر انتخابي تشريعي بحت، وفهم مني ان مجلس الاعيان ليس معنيا بما اتفق عليه مع الديوان الملكي، وانما نحن المعنيون بما اتفقنا عليه في مجلسي النواب والاعيان، واذا كان هناك كلام اخر مع جهة رسمية أخرى فليذهب اليها وليس الى مجلس الاعيان “.
ويضيف”بعد يومين بالذات جاءني لمكتبي في مجلس الاعيان السفير الامريكي”ستيوارت جونز” وراجعني في نفس الموضوع، وكان ردي عليه هو ذات الرد الذي قلته للسفير البريطاني، وسار القانون في مجلس الاعيان حسب الاجراءات المتبعة، وتم اقراره بتحديد 17 مقعدا للقائمة الوطنية “.
ويتابع المصري بالقول” ارسلنا القانون للديوان الملكي لتوشيحه بالارادة الملكية، وتم طلبي انا وعبد الكريم الدغمي وكان رئيسا لمجلس النواب لمقابلة الملك الذي أعلمنا انه سيوقع على القانون الذي اقره مجلس الأمة، ولكن الحكومة ستقدم في نفس الاسبوع تعديلا على هذا القانون لرفع عدد مقاعد القائمة الوطنية من 17 مقعدا الى 27 مقعدا، وهو الرقم الذي اكد عليه لي السفيران البريطاني والامريكي “.
“واستغربت جدا ــ يقول المصري ــ من هذا الترتيب وأجبت الملك ان هذا الاجراء غريب والأفضل والمنطقي اكثر هو ان يرد الملك القانون الذي أقررناه وهو حقه الدستوري وأكدت له اننا سنقوم انا والدغمي كل في مجلسه باجراء التعديل على القانون ليصبح 27 مقعدا بدلا من 17 مقعدا، ووعدته ان يتم ذلك خلال اقل من أسبوع وبالتالي يصبح الرقم 27 دستوريا ولا غبار عليه “.
ويختم المصري روايته بالقول”أما أن يقر الملك القانون ويصادق عليه ثم تسارع الحكومة بتقديم مشروع تعديل على القانون وفي نفس اليوم فهو أمر غريب ومربك، وحاولت الاستفسار من الملك عن أسباب هذا الاجراء، وأيدني الدغمي في سؤالي وموقفي، وكررت السؤال مرة أخرى على الملك ورجوته الأخذ باقتراحنا لكنه لم يفعل ذلك، ولغاية الآن لا اعرف مغزى هذا الإجراء ومن الذي دعا اليه وأشار به “.