توطين اللغات الأجنبية ونقل العلوم والتكنولوجيا

16 مارس 2022
توطين اللغات الأجنبية ونقل العلوم والتكنولوجيا

بقلم الأستاذ الدكتور تركي بني خالد

  العميد الأسبق لكلية اللغات الأجنبية / الجامعة الأردنية

لعله من البديهي القول إن الحديث عن إصلاح الاقتصاد الوطني وتحديثه وتطويره لا يكتمل ولا ينجح بمعزل عن الحديث عم احد المقومات الأساسية له ألا وهو النظام التربوي والتعليمي. وأكاد اجزم بأن هناك متطلبا سابقا وحيويا لنجاح الخطاب الاقتصادي والتنموي يتمثل بإعادة النظر  في موضوع تعليم اللغات الأجنبية والانتباه لدوره الهام في تسريع وتيرة التنمية الشاملة التي ينشدها أبناء الوطن وبناته.

تعليم اللغات الأجنبية في بلادنا لم يعد ترفا يحتكره الأغنياء من قبيل التمايز الطبقي والاجتماعي، بل أنه غدا متطلبا لا يستغني عنه الأفراد ولا الشعوب الطامحة إلى مكان مميز تحت الشمس. ولأن عالم اليوم تحكمه المصالح التجارية والاقتصادية، فأن من الحكمة أن يتصدى النظام التعليمي بمجملة لفكرة نقل العلوم والتكنولوجيا وتوطينهما في مؤسسات الوطن.

ولا يتأتى ذلك برأيي إلا من خلال استراتيجيات وطنية تجعل من تعلم اللغات الأجنبية وتعليمها أولوية سياسية واقتصادية. وحيث أن العلوم والتكنولوجيا الحديثة موطنة أصلا في دول العالم المتقدم وخاصة في أوروبا وأميركا الشمالية وبعض دول شرق آسيا فلا بد من فتح النوافذ اللغوية والحضارية مع تلك الأمم بهدف الاستفادة من خبراتها وتوجهاتها الصديقة نحونا.

ومن هذا الباب، فأنني أرى أن نوجه اهتمامنا وبشكل مركز نحو تعليم اللغات الأجنبية الحديثة وتوفير الظروف المادية واللوجستية والتشريعية لجعل ذلك ممكنا. فمن خلال اللغات الأجنبية، وعلى رأسها اللغة الانجليزية، نفتح آفاقا رحبة للتعاون الثقافي والاقتصادي الذي سيجلب معه منافع كثيرة للوطن.

لا مناص لنا من الاستثمار في اللغات الأجنبية مثل اليابانية والهندية وباقي اللغات الأوروبية إلى جانب ما عهدناه من رعاية للغتين الانجليزية والفرنسية. ولا بديل لنا غير تدريب كل خريجينا في جميع التخصصات على إتقان اللغات الأجنبية واجتياز  اختباراتها المعيارية تمهيدا لخلق فرص عمل جديدة ومتنوعة. فهناك آلاف الفرص في العالم المتقدم وفي مختلف التخصصات ما زال خريجونا عاجزين عن اقتناصها بسبب العجز اللغوي!

لا بد من ايلاء رعاية اكبر للترجمة من والى تلك اللغات التي نحتاج دعم شعوبها الصديقة، ولا يكون ذلك بغير الانتباه إلى لغتنا العربية الفصيحة والميسرة من خلال جعلها تطبيقية مرنة قابلة للحياة في عالم الأعمال والعلوم والتكنولوجيا. 

من المحزن أن نرى سوق الترجمة فوضويا لا رعاية له، ومن العجيب وغير المقبول أن لا نجد أدوات معجمية حديثة تبنى على علوم العصر. بل من الخبل وغير الحكمة أن يبقى تعليم اللغات الأجنبية مرهونا بأساليب ومناهج تقليدية بالية. وتزداد الصورة قتامه حين نرى كليات اللغات الأجنبية مترهلة باهتة لا منجد لها، تئن في أبنية متآكلة، وتخلو من ابسط مرافق البنية التحتية في الوقت الذي تدر فيه لبنا وعسلا على ميزانية الجامعات. 

أيها السيدات والسادة: حديثكم عن الإصلاح الاقتصادي سيبقى منقوصا ما لم تتنبهوا إلى كنوز اللغات الأجنبية، ومالم تعيدوا الالق إلى لغتكم العربية التي كانت يوما ما لغة العصر ولغة العلم والعلماء. فماذا انتم فاعلون، إنا معكم متربصون!