حكايات و ذكريات !!

14 مارس 2022
حكايات و ذكريات !!

 

محمد داودية

 

فردتُ في كتابي الأول والأوحد “من الكسارة إلى الوزارة” الذي صدر حديثا بِحُلّة جميلة جدا عن الدار الأهلية، جزءاً من التفاصيل التي مررت بها، وهي بمثابة مقطع عرضي لتفاصيل شعبنا وبلادنا، بما فيها من معاناةٍ وتحمّلٍ وصمودٍ، بلا أي محاولة مني لتزويق الواقع أو لتزييفه،
وما كان للتفاصيلِ التي ذكرتها في الكتاب أن تخبو أو تهرَمَ، أو يدركَها النسيانُ، فقد كانت وحشيةً وقاسيةً إلى درجةٍ مفرطةٍ، بحيث لا يمكن مقارفةُ نسيانها.
جيلُنا لم يجد طُرُقاً معبدة أمامه، ولعله لم يجد طرقا البتة، جيلُنا هو من شقّ الطرق وعبّد المسالك والمرتقيات، بعزمه وزنوده.

وأظنُّ أنّ حرارة الأحداث التي تماثل الاعترافات، كانت وراء حفاوة الأصدقاء بهذه السيرة- الحكاية، التي انتهت إلى الإلحاح عليّ، وانا الضنين بالنشر، بأن أُدوّنها، لتُتاحَ أمامَ الأجيال الجديدة، معرفةُ حكايات الآباء والأجداد والوطن، وأيُّ الدروبِ شقّوا والمُرتقياتِ الوعرةِ ارتقوا.
وسيرتي- حكايتي هذه، هي حكايةُ جيلٍ مكافح عصاميّ، بنى وضحّى وقدّمَ، وهي مقطعٌ عرضي لما كان عليه شعبُ الأردن العربي الكبير.

وهأنذا في الربع الرابع الأخير، من هزيع العمر الجميل الطويل، أنشرُ تفاصيلَ تجربةٍ متنوعةٍ، كان يجب أن أخطّها، لعلَّ فيها ما يُفيد. وأنا لستُ مضطرّاً إلى اختلاق شخصياتٍ، وتخليقِ أحداث كي أخطّ مادةً تليق بذائقة القارئ، وتُـتيح له اشتقاقَ بعض العِبر من حياتنا الصاخبة الزاخرة بالتحدي والاستجابة، بقيتُ مُـوزَّعاً بين أن أسكبَها في قوالبَ أُعْنى باختيارها، أو أتركَها للتلقائية، فتتدفقَ وتنحتَ مسارها وتشقه بعفوية.
لقد مرّت عليَّ صغيرا، أحوالٌ كالأهوال، وظروفٌ غايةٌ في القسوة، ذلَّلْتُها وتغـلّبْتُ عليها، فأفادني ذلك في مواجهةِ ظروفٍ قاسيةٍ عندما كبرت، صغّرتها في نظري وهــوّنَتْ عليَّ الشدائدَ وما تزال.
إن أكبر الخسارات تتمثل في أن تتجاوز مئات العقبات القاسية التي وضعتها الحياة في طريقك، ثم تفرّط بما حققت، حين لا تصر على تتويج كفاحك بالنجاح وتجاوز العقبة الأخيرة.
وقد اشتققت قاعدة اراحتني كثيرا ودائما وهي: ما دام النعيم الذي كنت فيه لم يدُم، فلماذا سيدوم هذا الجحيم إذن ؟!
لقد حَـثّـني عبرَ عقود،ٍ عشراتٌ من الأصدقاء على كتابة هذه الحكاية، التي ترصد في أكثر من نصف قرنٍ، جانباً من حياة شعبنا التي عشتها، وقد دونتها متباهيا -للمرة الأولى والوحيدة- بأنني من منبت طبقي اجتماعي شعبي، ضارب في عمق هذا الشعب العظيم ومتمثل حكمته العميقة الصلبة.