وطنا اليوم – نضال العضايلة – مباحثات واتصالات مكثفة يعقدها الثلاثي قطر وتركيا وإيران؛ لبحث مرحلة ما بعد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب.
ويلتقي أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، الخميس، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، غداة إجرائه مباحثات هاتفية مع الرئيس الإيراني حسن روحاني.
المباحثات تتكثف تلك الفترة؛ لمناقشة تداعيات فوز الديمقراطي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة، ومدى تأثر مخططاتهم ومؤامراتهم وسياساتهم وتحالفهم بذلك.
ويعتري الدول الثلاث قلقا كبيرا في المرحلة القادمة، فيتوقع أن يتبنى بايدن موقفا أشد صرامة من ترامب مع أردوغان، الذي سبق أن وصفه بـ”المستبد”، وقال إنه سيدعم ويشجع المعارضة التركية في حال أصبح رئيسا.
وقطر قلقة بدورها، بعد ترشيح بايدن، لمنصب مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، الذي يعرف بانتقاداته المتكررة لدور الدوحة في دعم الجماعات الإرهابية.
ورغم تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب بإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران، إلا أن طهران تخشى هي الأخرى استمرار العقوبات المفروضة عليها نتيجة سياساتها وانتهاكات حقوق الإنسان وبرنامج الصواريخ الباليستية.
ويسعى ثلاثي الشر خلال تلك الفترة لتقوية تحالفهم استباقا لأي مستجدات، فاتصال تميم بروحاني يأتي غداة اجتماع اللجنة القطرية الإيرانية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي، الذي تم خلاله توقيع اتفاقية جديدة لتعزيز التعاون بينهما.
وتميم يتوجه لأنقرة لترؤس اجتماع ما يسمى اللجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين، التي سيتم خلالها توقيع ما يزيد على 8 اتفاقيات جديدة.
وكما هي عادة تلك الاجتماعات، يتوقع أن يتواصل الابتزاز التركي لقطر، وطلب المزيد من الدعم المالي، في صورة اتفاقيات أو تحت بند تبادلات تجارية، ولا سيما أن الزيارة تأتي في وقت يعاني فيه أردوغان نتيجة الانشقاقات المتتالية في حزبه والوضع الاقتصادي المتفاقم.
وتوجه تميم بن حمد آل ثاني إلى أنقرة اليوم الخميس في زيارة رسمية، يترأس خلالها مع أردوغان، اجتماع الدورة السادسة لما يسمى باللجنة الاستراتيجية العليا القطرية التركية.
وقالت وكالة الأنباء القطرية إن الدورة السادسة ستتناول سبل توطيد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مختلف المجالات وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بالإضافة إلى التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم.
وكشف السفير التركي لدى قطر، مصطفى كوكصو، عن أنه سيتم توقيع ما يزيد على 8 اتفاقيات جديدة بين البلدين، خلال الاجتماع، يتوقع أن تكون بابا جديدا لاستنزاف أموال قطر، في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعانيها تركيا.
واللقاء المرتقب هو الثالث بين الجانبين خلال 5 شهور بعد الزيارتين التي أجراهما أردوغان لقطر 2 يوليو/ تموز و7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضيين.
ودافع أردوغان خلال زيارته الأخيرة للدوحة عن الوجود العسكري لبلاده بها، زاعما في تصريحات خلال الزيارة أن الوجود العسكري لبلاده في قطر يخدم الاستقرار والسلام في منطقة الخليج.
ويحتاج أردوغان مثل تلك الزيارات للهروب من المعارضة المتزايدة لسياساته في ظل الأداء الاقتصادي السيئ لنظامه، والانشقاقات المتتالية في صفوف حزبه، بعد استقالة بولنت أرينتش، القيادي بالحزب الحاكم وأحد مؤسسيه، من المجلس الاستشاري الأعلى للرئيس.
وقدم بولنت أرينتش، الثلاثاء، استقالته من المجلس الاستشاري الأعلى للرئيس التركي بعد ساعات من انتقاد أردوغان له بعد أن طالبه مستشاره بالإفراج عن قادة المعارضة في البلاد.
وتوقع مراقبون أن مسلسل الانشقاقات سيستمر بعد أن انحرف أردوغان بحزب العدالة والتنمية عن النهج الذي قام على أساسه، وبات كسفينة غارقة، يسعى الكثير إلى القفز منها حتى لا يغرقوا معها.
واعتادت تركيا استغلال تواجدها العسكري لاستنزاف ثروات القطريين، حتى أضحى الأتراك أنفسهم يتحدثون عن أن زيارت رئيسهم للدوحة ترتبط بطلب أموال جديدة، وكان آخرها الزيارة التي تمت لقطر في أكتوبر الماضي.
وأكد حينها فائق أوزتراق، الناطق باسم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، أن “الغرض من الزيارة هو طلب المال” من نظام الحمدين.
وقال المعارض التركي آنذاك: “كلما سجل الدولار أرقاما قياسية أمام الليرة التركية، هرع أردوغان إلى قطر على وجه السرعة. لكن لا بد أن يعلم أن الذي يتلقى أموالا من الخارج يتعود على تلقي الأوامر أيضا”.
وتواصل حكومة أردوغان استنزاف قطر اقتصادياً، من خلال استغلال ثرواتها ومقدّراتها لإنقاذ أنقرة من أزمتها الاقتصادية التي تعصف بها منذ أكثر من عامين، من خلال دفع الدوحة لضخّ مليارات الدولارات لإنعاش الاقتصاد التركي المتعثّر من زاوية الاتفاقيات الثنائية التجارية والمالية، وعلى الصعيد العسكري كذلك.
بايدن البعبع الجديد القديم
الإدارة الأمريكية الجديدة وكيفية التعامل معها سيكون أحد الملفات الهامة على أجندة مباحثات تميم وأروغان، في ظل حالة القلق المتزايد التي تعتريهم، اذ يبدو أن بايدن يعتزم تبني موقفا أشد صرامة من الرئيس دونالد ترامب مع نظيره التركي.
هذا ما يشير به إلى حد كبير تصريحات سابقة لبايدن خلال مقطع فيديو سابق تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، تعهد فيها بأن يجعل أردوغان “يدفع ثمنا باهظا”، ردا على تجاوزاته.
وفي أغسطس/آب الماضي، ظهر بايدن في مقطع فيديو، اجتاح منصات التواصل في تركيا، وهو يتحدث بطريقة سلبية عن أردوغان، ووصفه بـ”المستبد”، وقال إنه سيدعم ويشجع المعارضة في حال أصبح رئيسا.
وعندما سيتولى بايدن رئاسة الولايات المتحدة، سيتعامل على الأرجح مع أطراف كردية، في كل من سوريا وتركيا، وهي أطراف تمس توجهات واستراتيجيات أردوغان.
كما يتوقع أن يقوم بايدن بلجم الأطماع التركية ومغامراتها المقلقة لدول المنطقة وأوروبا، وخصوصا بعد أن حاولت أنقرة فرض واقع جديد في شرق المتوسط وليبيا قبيل الانتخابات الأمريكية وفشلت.
كما أن تركيا مهددة بعقوبات أمريكية لشرائها صواريخ روسية من طراز “أس-400” وسيكون موقف بايدن من هذا الملف حاسما.
ويتوقع مراقبون أن العلاقات التركية الأمريكية قد تشهد تدهورا في ظل إدارة بايدن، ما يعرض الليرة التركية، التي تعاني بالفعل من انخفاض قياسي أمام الدولار، لمزيد من الضغوط.
وفي ظل تلك المستجدات فإن أردوغان يطمع في أي أموال تساند اقتصاد بلاده المنهار، ودفع فاتورة سياسته الخارجية، في صورة اتفاقيات ثنائية يعقدها مع نظام تميم، كما أن قطر بدورها تشعر بالخطر، بعد أن اختار بايدن، لمنصب مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان.
ويعتبر المنصب المنتظر لسوليفان حساسا، على اعتبار أنه يؤثر على القرارات الاستراتيجية لبايدن، داخليا وخارجيا، ويملك سوليفان خلفية واسعة في السياسة الخارجية، كما لديه مواقف واضحة من دور قطر في تمويل ودعم الجماعات الإرهابية.
وفي عام 2017، كشف سوليفان، خلال حديثه في مؤتمر نظمته مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، عن امتلاك واشنطن أدلة على تورط قطر مع الجماعات الإرهابية.
ملف الإدارة الأمريكية الجديدة كان حاضرا أيضا في الاتصال الهاتفي الذي أجراه تميم بالرئيس الإيراني، مساء الأربعاء، قبيل ساعات من توجهه لتركيا، ووجه خلاله دعوة لروحاني لزيارة الدوحة.
وقالت وكالة الأنباء القطرية إنه جرى خلال الاتصال، استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها، لاسيما نتائج اجتماع اللجنة القطرية الإيرانية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي التي عقدت في دورتها السابعة في مدينة أصفهان الإيرانية الثلاثاء.
المكالمة التي ذكرت تفاصيلها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” كشفت عن المزيد من الأحقاد التي يكنها تميم وروحاني لدول المنطقة.
روحاني أعرب عن أمله بأن تؤدي التطورات الدولية الأخيرة – في إشارة إلى نجاح بايدن- إلى إعادة النظر فيما وصفها بالسياسات العدائية التي ينتهجها عدد من بلدان المنطقة.
وردا على دعوة الأمير القطري الرسمية للقدوم إلى الدوحة، تطلع روحاني إلى إجراء هذه الزيارة في الفرصة المناسبة.
جاءت تلك المباحثات بعد يوم من اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين إيران وقطر الذي عقد لدورته السابعة في محافظة أصفهان (وسط) الثلاثاء، وشهد توقيع مذكرة تفاهم حول التعاون الاقتصادي بين البلدين تقضي بإنشاء مراكز تجارية مشتركة، والاستفادة من موانئ بعضهما الآخر.
وسبق أن أكد إليوت أبرامز المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران، استمرار حملة الضغط بالعقوبات على طهران في ظل إدارة بايدن الجديدة.
وقال أبرامز إن العقوبات التي تستهدف إيران بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وبرنامج الصواريخ الباليستية ونفوذها الإقليمي “ستستمر”.
وتمتلك إيران الآن من اليورانيوم أكثر بكثير مما هو مسموح لها بموجب الاتفاق، الذي انسحب منه الرئيس دونالد ترامب بشكل أحادي عام 2018.
أبرامز شدد في تصريحات صحفية على أنه : “حتى لو عدنا (إلى الاتفاق) وحتى لو كان الإيرانيون مستعدون للعودة. مع هذا اليورانيوم المخصب حديثا، فلن تكون قد حلت هذه المسائل الأساسية حقا حول ما إذا كان سيسمح لطهران بانتهاك التزامات الأمد الطويل التي تعهدت بها للمجتمع الدولي”.