المقالة الجامعة / الحلقة الحادية عشر

19 فبراير 2022
المقالة الجامعة / الحلقة الحادية عشر

 

 

 

مروان العمد

سوف اتحدث فيما بقي من مقالتي عن بعض الظواهر السلبية التي طفت على السطح ، والتي اذا لم نحسن التعامل معها كما احسنا ذلك خلال عمر الدولة لاردنية فأنه قد يكون لها آثاراً كارثية لا سمح الله .وسوف اتطرق في حديثى الى مواضيع يمكن ان يعتبر الحديث عنها من المحرمات ، رغم انها موجودة وان كانت في الصدور . ويبقى الحديث عنها علناً ومواجهتها افضل من ان نجدها تنفجر في وجوهنا ذات يوم
— وبداية ومنذ ان اعلن جلالة الملك عن تشكيل لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية ، انطلقت التفسيرات والتحليلات للاهداف من وراء تشكيل هذه اللجنة . وانطلق الرفض لها والتشكيك بها . وعندما اعلنت هذه اللجنة مخرجاتها قوبلت بالرفض من الكثيرين . وانا برأيي الشخصي ان بعض هذا الرفض ليس لشخص رئيس اللجنة او اعضاءها ، ولا لمخرجاتها ولا لعبارة الهوية الجامعة الواردة في نصها ، ولا لمقترح اضافة كلمة الاردنيات الى جانب الاردنيين في عنوان الباب الثاني من الدستور . وانما لأن اي تغيير على هذا النهج سوف يفقد المعارضة سلاحها لمهاجمة هذا النهج ، وسوف يفقد الموالاة استفرادها بالاستفادة منه . وسيفقد الحكومة ووزرائها فرصتهم في البقاء بمناصبهم ، وسوف يضع الاحزاب في مواجة الحقيقة ، وانها في غالبيتها لا امل لها للوصول الى قبة البرلمان . وان بعضها وبموجب قانون الاحزاب الجديد سوف تفقد شروط وجودها وتمويلها ، الا بعضاً منها . واذا كان اعتقادي هذا في محله فأننا فعلاً في حالة تستحق الوقوف عندها .
— وقد كان هجوم البعض على قانون الانتخاب وقانون الاحزاب والتعديلات الدستورية المتعلقة بهما ، لاعتقادهم ان ذلك سوف يقلل من فرصهم للوصول الى عضوية مجلس النواب ، او انه سوف يخل في نسبة تمثيلهم فيه ، وذلك من خلال نقصان عدد المقاعد المخصصة للمحافظات لحساب المقاعد المخصصة للاحزاب ، وان هذا سيكون لصالح الاردنيين من اصل فلسطيني . حيث لابد من الاقرار ان هذا البعض وعلى قلته ، ومع اقرارهم بأن الدستور الاردني ينص على ان الاردنيون امام القانون سواء لاتمييز بينهم في الحقوق والواجبات وأن اختلفوا في العرق او اللغة او الدين ، الا انهم فيما يتعلق بمجلس النواب ومجلس الاعيان ، وحتى في تشكيل الحكومة و تعيين كبار المسؤولين ، والعاملين في القوات المسلحة والاجهزة الامنية ، يرفضون ان يكون للمجنسين حسب تعبيرهم ، الا تواجداً رمزياً فيها ، وذلك لخشيتهم من ان يؤدي ذلك الى تطبيق حل الوطن البديل . وهؤلاء البعض يختلفون في تحديد المجنسين ما بين التضيق والتوسع ، الى درجة ان البعض ومن خلال طروحاتهم يرون ان اي اردني لا يعود الى اصول شرق اردنية فهو شخص مجنس ، حتى لو كان يقيم فيه منذ مئات السنين . ولذلك تجدهم عندما يتم تعين من ليس من هذه الاصول او انتخابه ، يقولون بأنه شامي او شركسي او شيشاني او كردي او اردني من اصل فلسطيني ( وهم من ارتحلوا الى شرقي الاردن قبل عام 1948 ) او فلسطيني مجنس ، وهم من حصلوا على الجنسية الاردنية بعد عام 1954 . وهذا البعض وفي قناعتهم ان الاحزاب تضم في عضويتها اغلبية من المجنسين ؟ مما يترتب عليه حصولهم على الاغلبية في مجلس النواب . علما ان هذا القول غير صحيح ، فأبناء العشائر الاردنية منخرطون في الاحزاب الموجودة ، ويشكلون الاغلبية في معظمها ، وسوف يكون لهم تواجد واضح وبكثرة في الاحزاب الجديدة ، كما يمكنهم تشكيل احزابهم الخاصة بهم . وبذلك فأن بامكانهم الحصول على اغلبية مقاعد المحافظات، واغلبية المقاعد الحزبية ايضاً .
— ان الهدف النهائي من التعديلات ان تكون الانتخابات بين قوائم حزبية برامجية لنخرج من الوضع الذي نحن عليه والذي كان الجميع يحاربه ، والذي اخذ البعض الان يطالب بأن يبقى كما هو . وهذا سوف يعني ان تبقى مجالس نوابنا كما هي عليه ، وكما كانت عليه منذ انتخابات عام 1993 وحتى الآن ، مجالس ضعيفة ليس لديها برامج عمل وليس بها كتل ثابته وانما هلامية ، وكل ما تستطيع ان تقدمه خدمات لابناء دوائر النواب ، ومن خلال رهن مواقف النواب لصالح الحكومة وقوانينها .
— كما يعترض البعض على مصطلح الهوية الجامعة وعلى كلمة الاردنيات في الدستور ، وعلى تعديل قانون الاحزاب والانتخاب . حيث يخشون ان تؤدي هذه التعديلات الدستورية والقانونية للتوسع بمنح الجنسية الاردنية ، و لتشمل سكان الضفة الغربية ،وتجنيس ابناء قطاع غزة المقيمين بالاردن ، و ربما ابناء قطاع غزة بشكل كامل ، وتجنيس فلسطيني الشتات ، وتجنيس ابناء وبنات الاردنيات المتزوجين من حملة الجنسية غير الاردنية وخاصة الفلسطينية . وانا وان كنت لا اجد ان هذه المخاوف واردة في هذه التعديلات الدستورية والقانونية ، الا انني اجد انها وبنصها ، والطريقة التي اعلنت بها لم تعطي الشرق اردنيين الاطمئنان الكامل بأن هذا لن يحصل ، وان وطنهم لن يحول الى وطن بديل . وان هذا يعود الى ان بعض النصوص التي وردت في مخرجات اللجنة عابها الغموض . وان الحكومة فشلت في توضيحها وتقديمها للمواطنين بشكل واضح وسليم .
ولذا فأن هذا الفهم المختلط للتعديلات القانونية والدستورية ، والمخاوف والشكوك التي احاطت بها ، قد يؤدي الى تهاوي الهوية الاردنية الواحدة وتفتتها الى هوايات فرعية متصارعة او هوية فرعية واحدة تشطب بقية الهويات الفرعية ، ما لم نتدارك انفسنا ، ونثبت هويتنا الاردنية الواحدة كما هي في الدستور وقانون الجنسية الاردني .
— كما يذهب البعض الى القول ان قانون الاحزاب وتشكيل الحكومات الحزبية فيه مساس بالمراكز التي تتمتع بها عشائرهم ، وانهم يفضلون ان تكون الانتخابات على اساس عشائري ، وحتى لقد ذهب البعض للقول ان العشائر تمثل مكونات سياسية ، مع ان هذا غير صحيح حيث ان العشيرة تجمع افرادها كمكون اجتماعي واسري ، ولا يمكن ان تجمعهم في موقف سياسي موحد . وان هذا الامر يمكن ان يتم عن طريق الاحزاب . وانه لا تعارض بين الاحزاب والعشائر . ناهيك انه ليس كل الاردنيين ابناء عشائر .
— ومن ناحية اخرى فأن هناك ممن هم من اصول فلسطينية من استطاعوا ان يندمجوا في الهوية الاردنية ، ان يعملوا في المجال الحكومي و ان يصلوا الى اعلى المناصب فيها ، ومن بينها رؤساء وزراء ووزراء وسفراء . وان يكون منهم نواباً واعيان ، وان يمارسوا الموالاة والمعارضة ، دون ان يتخلوا عن عشقهم لفلسطين واملهم بأن يجدوا دولة فلسطينية قد وجدت طريقها للظهور . ولا يستطيع احد ما ان يزاود عليهم في ذلك . فيما ان مجموعة منهم لم ينجحوا بذلك و كتفوا برفع شعارات الحقوق المنقوصة والشكوى من المظلومية ، متجاهلين ان الدستور والقوانين تسمح لهم بما تسمح به لبقية ابناء الشعب الاردني ، الا انهم في معظمهم اختاروا العمل في القطاع الخاص ، وفي الصناعة والتجارة والاعمال المهنية والفنية ، وشركات المقاولات وغيرها . وقد يعود سبب عزوفهم عن الاقبال على العمل الحكومي او الامني الى عدم رغبتهم بذلك . او الى شعورهم انها شبه مغلقة امامهم . او لان بعضهم قد يعتقد ان ذلك يتعارض مع ولائهم للقضية الفلسطينية وحلمهم بظهور دولتهم الفلسطينية . في حين ان القلة منهم ناصبت الهوية الاردنية العداء ، واعتبروا ان الجنسية الاردنية هي مجرد جواز سفر ، وتذكرة مرور ، ومكان عمل واقامة مؤقتة . وهذا اعتقاد خاطئ ، فهم مواطنين أردنيين الجنسية والانتماء ، فلسطينيين الهوى ، مثلهم مثل كل الشعب الاردني . والى ان تظهر الدولة الفلسطينية ، وعندها يكون لكل حادث حديث . وحتى ذلك فأن هذا الاعتقاد وهذه التقسيمات ستبقى قنبلة مدفونة معرضة للظهور والانفجار في اي وقت وفي اي مكان .
يتبع في الحلقة الثانية عشر

ملاحظة / جميع ما ورد في هذه الحلقة يمثلني ، ويعبر عن وجهة نظري الخاصة . واحترم وجهة نظر كل من يخالفني في ذلك