البالة والمواد الضارة.. وقود فقراء جرش في الشتاء

10 فبراير 2022
البالة والمواد الضارة.. وقود فقراء جرش في الشتاء

وطنا اليوم:مع أن المنخفضات الجوية، رفعت نسبة التفاؤل بموسم زراعي ومائي جيد، إلا أنها أيضا كشفت عن صور مريرة لمن افتقدوا الدفء والطعام الجيدين خلالها، فتقلصت أحلام فقراء محافظة جرش بالرغبة في الحصول على قليل من الدفء، ليقضوا ما تبقى من هذا الشتاء، ولو ببعض الحطب للتدفئة.
وقد عاش فقراء المحافظة، الذين يرتفع عددهم مع كل يوم تستمر فيه جائحة كورونا، تحت لسع سياط البرد، والبحث عن الدفء، في ظل استمرار ارتفاع اسعار المحروقات، ووجد ذوو الدخول المحدودة والمستفيدون من صندوق المعونة الوطنية، أنفسهم في مواجهة واقع ينخر عظامهم وعظام أبنائهم من البرد، فارتفعت أصواتهم للمطالبة بتوزيع أحطاب مجانية عليهم، لعلها تساعدهم بتوفير دفء في بيوتهم المتهالكة أساسا.
بعضهم وقف عاجزا وهو يرسل ابنه لشراء الكاز بزجاجة مياه معدنية الى محطات الوقود، ليتمكن من تدفئة بقية العائلة، وبعضهم عض على لحافه وحاول الغفو، لينسى البرد. وزاد الطين بلة، جشعون، يبيعون “جفت الزيتون” لهذه الشرائح التي تقبل عليه لرخص أسعاره، ليؤمن لهم بعض الدفء في بيوتهم، لكن عمليات غش الجفت وخلطه بالتراب، تفقده إمكانية اشتعاله.
لذا، وفي ظل هذا البؤس، اتجهوا الى الاستعانة على البرد بحرق الأحذية والملابس المستعملة وقطع البلاستيك القديم في مواقدهم، برغم أنها مواد ضارة بيئيا وصحيا، لكنها كانت خيارهم الأخير في ظل تدني درجات الحرارة الكبير خلال المنخفض القطبي، وعدم سماع صوت استغاثتهم للحصول على وقود تدفئة.
وفي المقابل، فإن هناك من تاجر بهذه المواد الضارة بيئيا وصحيا، ببيع الملابس والأحذية المستعملة (البالة) لإشعالها في المواقد، بسعر يصل إلى 4 دنانير للكيس، وفق مأمون بني حمدان.
وقال بني حمدان، إن ما يتبقى من دخله الشهري لا يزيد على 145 دينارا، يعيل به أسرة من 6 افراد، ويسدد قرضا لأحد البنوك بقيمة 220 دينارا، ويقيم في مسكن مستأجر، لا تتوافر فيه أبسط الشروط الصحية، بالاضافة الى عجزه الصحي عن العمل في مهنة أخرى، لذا “لا أستطيع تأمين أي وقود للتدفئة لبيتي، ما يجبرني على شراء أكياس البالة هذه لإحراقها للتدفئة بسبب رخص أسعارها”.
مهتمون بالشؤون الصحية والبيئية، حذروا من خطورة حرق هذه المواد في المنازل، لانبعاث غازات سامة منها، تؤثر على الجهاز التنفسي للبشر من أطفال وكبار سن وحوامل ومرضى، فحرقها يشبه حرق المواد البترولية التي تؤدي للإصابة بأمراض الحساسية والربو والجهاز التنفسي، وفق تصريح سابق لأخصائي الأنف والأذن والحنجرة ومدير مستشفى جرش الحكومي الدكتور صادق العتوم.
وحذر العتوم من أن حرق هذه المواد في المدافئ، آثاره مدمرة للصحة، فإحراق البلاستيك والأقمشة يضاعف نسبة الغازات والأبخرة السامة، كأول أكسيد الكربون الذي يضر بالجهاز التنفسي والشعب الهوائية.
وأكد العتوم أن “عدد مراجعي المستشفى المصابين بأمراض في الجهاز التنفسي يتزايد في الشتاء، ما يضاعف أيضا خطورة الوضع الصحي لهذه الشرائح، مع انتشار فيروس كورونا”، مشددا على الحاجة المستمرة لتهوية المنازل للمحافظة على نسبة طبيعية للأكسجين في الغرف، والتقليل من خطر هذه المواد الضارة.
وأثارت عروض محال “البالة” في جرش لبيع الملابس بالكميات، مقابل أسعار زهيدة لاستخدامها في التدفئة بدل الحطب، أسئلة كثيرة حول غياب الرقابة عن مثل هذه الأفعال، الى جانب حاجة الفقراء للتدفئة، والتوجه لشرائها للتدفئة، بسبب كلفتها الاقل من تكلفة الوقود.
وأوضح تجار أن هذه الخطوة، هدفت لمراعاة ظروف هذه الشريحة في هذا الطقس البارد جدا، للحصول على الدفء، موضحين ان البالات ذات تكلفة مادية منخفضة، وأن لديهم مخزونا كبيرا منها غير صالح للبيع، لذا يبيعونها بالكميات وبأسعار زهيدة.
أهال رأوا في توجه التجار عملا جيدا، لكن آخرين، رأوه استغلالا لحاجتهم للدفء، ويعرفون مضاره، لذا طالبوا الجهات المعنية بمساعدتهم لتجاوز هذه المحنة، وفق المواطن خالد العياصرة، الذي أوضح أن “المواطنين يعانون من أزمة كبيرة في توفير وقود التدفئة، في ظل مداخيلهم الضئيلة”.
وقال محمد القادري، أنه تقدم الى مديرية زراعة جرش لشراء الحطب، متأملا الحصول عليه بسعر يناسب دخله البسيط، لكنه لم يتمكن من ذلك، ولجأ للحطب الذي يباع في الاسواق، لكن سعر الطن منه يصل الى 150 دينارا، بينما سعر طن الجفت يراوح بين 120 الى 140 دينارا، وفي حال توافره يكون مغشوشا غير صالح للاحتراق.
ودعا القادري الى أن تؤمن المديرية الحطب لهم بأسعار يستطيعون تحملها، أو السماح باستيراد حطب من الخارج، وتوفيره لتمكينهم من عيش شتاء محتمل.
وأكد أن مئات الأسر ذات الدخول المحدودة، تتجه حاليا لشراء “البالة” لاستخدامها في التدفئة، وبعضهم يجمع الأوراق والمواد البلاستيكية المستهلكة والعبوات الفارغة أيضا للحصول على الدفء، برغم خطورتها المدمرة للصحة.
ويعتقد المواطن أمجد الشروقي، بأن أغلبية ذوي الدخل المحدود، عاجزون عن توفير وقود لتدفئة منازلهم، واستخدامهم لـ”البالة” غير فعال نهائيا، في ظل الظروف الجوية القاسية.
ولفت إلى أن ما تنفذه جمعيات خيرية من حملات الشتاء، لجمع التبرعات وشراء المدافئ والأغطية والوقود للأسر الفقيرة، لم تجد في جلب الدفء للفقراء، لأنها لا تغطي إلا جزءا قليلا منهم، موضحا أن الحطب من أفضل وأجود وأرخص الوسائل حاليا، وتوزيعه على الفقراء بكميات مناسبة، يغطي حاجتهم، قد يكون حلال محتملا حاليا.
رئيس قسم الحراج بمديرية زراعة جرش المهندس فايز الحراحشة، قال إن حجم الحطب الذي جمعته المديرية لهذا العام، بيع للمتقدمين بطلبات لشرائه، مبينا أنه جرى جمع 225 طنا، بينها 73 طنا وزعت على أسر فقيرة، ممن يتقاضى أربابها معونة وطنية، و12 متقاعدا عسكريا مصابا، وما يزال أكثر من 400 طلب شراء حطب أمامهم.
وبين أن المديرية تتجه سنويا لتوزيع الحطب على الفقراء، أو بيعه بأسعار مناسبة لسوء أوضاع المواطنين وعدم قدرتهم على توفير وقود تدفئة، إذ تعتمد آلاف الأسر على الحطب للتدفئة.
وبين أن الجفت متوافر في 14 معصرة بالمحافظة، وأسعاره مناسبة، وهو بديل آمن وصحي وفعال في التدفئة، وفي متناول الجميع، ويمكن الاستفادة منه.
عضو مجلس بلدية جرش السابقة عفاف النظامي، وهي رئيسة جمعية خيرية أيضا، قالت إن الجمعية تتبنى في كل شتاء، حملة لجمع التبرعات وشراء مستلزماته وتوزيعها على الفقراء، وعددهم بالآلاف في المحافظة، بخاصة مع ظروف الجائحة.
وبينت أن الجمعية وعن طريق حملات تبرعات، تساعد نحو 150 أسرة في الشتاء بتوفير تدفئة مناسبة لهم، لكنه تبين عبر الكشف الحسي على أسر متقدمة للحصول على معونات الشتاء في المحافظة عجز الكثيرين منهم عن توفير أي وسيلة تدفئة لأسرهم