إثيوبيا نحو حرب أهلية.. لماذا قد لا ينجح هجوم آبي أحمد “الحاسم”

23 نوفمبر 2020
إثيوبيا نحو حرب أهلية.. لماذا قد لا ينجح هجوم آبي أحمد “الحاسم”

وطنا اليوم:إعلان رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد عن هجوم نهائي يستهدف عاصمة إقليم تيغراي بالطائرات والمدفعية الثقيلة قد يؤدي لحسم سريع يتمناه، لكنه على الأرجح مخاطرة بتحويل المواجهة إلى حرب أهلية طويلة الأمد.
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: “لماذا قد لا ينهي الهجوم “النهائي” الذي أعلن عنه آبي أحمد الصراعَ الإثيوبي؟”، تناول ما قد يسفر عنه وصول الصراع في إقليم تيغراي شمال غرب إثيوبيا إلى ذروته الدموية، وربما بداية حرب شوارع ممتدة.

صراع فوضوي ودموي
كان القتال بين القوات الفيدرالية الحكومية من جانب والموالين للحزب الحاكم في المقاطعة المضطربة على الجانب الآخر فوضوياً ومريراً. فقد قُتل المئات، من مقاتلين ومدنيين، وأجبر الآلاف على الفرار من منازلهم. وأبدت القوى الإقليمية والدولية قلقها المتزايد، لأن العنف الدائر يهدد استقرار واحدة من أكثر المناطق هشاشةً وعرضةً للتفكك في إفريقيا.
لكن، من جهة أخرى، قال رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في خطاب وجهه إلى الشعب الإثيوبي قبل خمسة أيام، إن هجوماً “نهائياً وحاسماً” على وشك الانطلاق. والهجوم المقصود يهدف إلى السيطرة على عاصمة إقليم تيغراي الجبلية “ميكيلي”. وفُهم من ذلك ضمنياً أن ما يسميه آبي أحمد وغيره من كبار المسؤولين الإثيوبيين بـ”عملية إنفاذ القانون” ستكون قد تمت وأصبحت مفروضة على الأرض.

القضاء على قادة تيغراي
ويتمثل الهدف الاستراتيجي لآبي أحمد في الإطاحة بحزب تيغراي الحاكم “جبهة تحرير شعب تيغراي”، التي مضت قدماً في عقد الانتخابات المحلية هذا العام بعد تأجيل الانتخابات الوطنية بسبب جائحة كورونا.
فيما جاءت هذه الخطوة في أعقاب سلسلة طويلة من الخلافات المتفاقمة حدةً بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي تقول إنها تعرضت للتهميش المتعسف منذ تولي آبي أحمد السلطة قبل عامين، والحكومة المركزية. ومع ذلك، فقد قال آبي أحمد مراراً وتكراراً إنه ليس لديه ضغينة ضد شعب تيغراي، بل فقط مع قيادته التي يصفها بـ”الإجرامية”، وإنه يعتبرهم جميعاً مواطنين متساوين في الحقوق في إثيوبيا الفيدرالية.

غير أن كثيراً –وإن لم يكن كل- شعب التيغراي يشكون في هذا. ويزعم هؤلاء أن آبي أحمد عازم على عملية إعادة فرض وحشية لسلطة الحكومة المركزية، مخاطراً بتداعيات ذلك على جميع المناطق والأعراق في إثيوبيا.
وربما فاقم ارتيابهم العنفُ الذي ارتكبته قوات الحكومة في الأسابيع الأخيرة، بالإضافة إلى بعض الإجراءات والخطابات التي صاحبت ذلك، وبالطبع الإنذار الصارم الذي أصدره كبار المسؤولين العسكريين يوم الأحد 22 نوفمبر/تشرين الثاني لنصف مليون مدني يعيشون في ميكيلي، أن: انأوا بأنفسكم عن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وإما خاطروا بالموت تحت القصف والضربات الجوية عندما تمضي القوات الفيدرالية قدماً لاقتحام المدينة. بعبارة أخرى، إذا دعمتم المتمردين، ستدفعون ثمن ذلك باهظاً.
ومع ذلك قد تكون التهديدات الموجهة لسكان ميكيلي مجرد نوع فظ من “عمليات التلاعب النفسية”، المصممة لعزل قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، بحيث يمكن فصلها، أو انتزاعها، دون هجوم مكلف لا محالة، بالنظر إلى مساحة المدينة الكبيرة وعدد سكانها. وقد تجنبت القوات النظامية الإثيوبية حتى الآن مثل هذه المعارك، وتقدمت بسرعة نحو ميكيلي متجاوزةً العديد من البؤر السكانية.

السيطرة على ميكيلي ليست نهاية المطاف
وهم بحاجة إلى الحفاظ على زخم تقدمهم السريع لأسباب سياسية، فسيناريو الحرب الطويلة على الأرجح لن يحظى بشعبية كبيرة مع الإثيوبيين عموماً ولا القوى الإقليمية والمستثمرين وغيرهم من الأصدقاء الدوليين المهمين.
لكن كما سبق أن اكتشف عدد لا يحصى من القادة السياسيين، فإن حتى الحروب السريعة قد تتحول بسهولة إلى حروب طويلة الأمد. وهناك تقارير موثوقة تفيد بأن القتال مستمر في الأراضي التي كان من المفترض أن يتم تأمينها بسرعة من القوات الحكومية لأن الموجة الأولى من القوات اخترقت دفاعات تيغراي وتوغلت دون توقف لحسم الأمور وإرساء الاستقرار.
ويبدو أن الميليشيات والقوات شبه العسكرية الفيدرالية تعاني مع هجمات الكر والفر التي يشنّها مقاتلو تيغراي ذوو التسليح الخفيف والتمرس والدوافع الوجيهة بالنسبة إليهم.
ومن ثم، يجب أن يشكل كل ذلك مصدرَ قلق حقيقي للمخططين العسكريين الإثيوبيين. ويجب الالتفات، قبل كل شيء، إلى أن أي إعلان يصرح بإنجاز المهمة وإتمامها سيكون سابقاً لأوانه، وذلك مهما كانت النتيجة التي ستبدو عليها الأمور مع وصول القوات إلى ميكيلي.
والقصة هنا ترجع إلى أن هذه الحرب في حقيقتها هي معركة للسيطرة على اقتصاد إثيوبيا ومواردها الطبيعية ومليارات الدولارات التي تتلقاها البلاد سنوياً من المانحين والمقرضين الدوليين، فالوصول إلى تلك الثروات يقع بحكم الوظيفة في يد من يرأس الحكومة الفيدرالية، التي كانت تسيطر عليها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي لما يقرب من ثلاثة عقود قبل أن يتولى آبي أحمد السلطة في أبريل/نيسان 2018، بعد احتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة التي كانت تقودها جبهة تحرير تيغراي.
بعبارة أخرى، هذا ليس صراعاً حول من يحكم تيغراي، وهي منطقة صغيرة لا يمثل سكانها سوى 6% من سكان إثيوبيا البالغ عددهم 110 ملايين نسمة، إنها معركة حول من يملك زمام السيطرة على اقتصاد البلاد، وهي غنيمة كانت في حيازة زعماء تيغراي الإقليميين في وقت من الأوقات، وهم عازمون على استعادتها بأي ثمن.