الطبقة الوسطى في الأردن تراجعت إلى الصفوف الخلفية للمشهد السياسي وتنازلت عن السياسة مقابل الخبز ، وغيابها سَيُفشِل العمل السياسي

30 يناير 2022
الطبقة الوسطى في الأردن تراجعت إلى الصفوف الخلفية للمشهد السياسي وتنازلت عن السياسة مقابل الخبز ، وغيابها سَيُفشِل العمل السياسي

سليم البطاينة

بعد تجربة ٣٢ عاماً من الديموقراطية لم تُنتج لنا تلك التجربة نموذجاً للإحترافية السياسية ، بل على العكس فخلال العقدين الماضيين تم إفراغ المجتمع الأردني من طبقاته المنتجة نتيجة السياسات الإقتصادية والإجتماعية الهوجاء التي عملت بقوة على إعادة صوغ مشهد سياسي جديد ومختلف عما كان عليه سابقاً .. فجوهر العمل السياسي بالأصل مبنيٌ على توازن حقيقي ودور رئيسي للطبقة الوسطى التي على أكتافها تم بناء الدولة فعندما تكون الطبقة الوسطى داخل المجتمع قوية تكون الدولة قوية.

لذا نرى حاليًا تدهور العمل السياسي بصورة ممنهجة وبات قسماً كبيراً من تراجعه وتردّيه سببه الرئيس غياب الطبقة الوسطى عن المشهد الذي سيؤدي لاحقاً إلى شقاء العمل السياسي تحولاً وبناءاً .. وللأسف وبعد مائة عام من عمر الدولة ما زال هناك من يستحضر ثقافة سياسية فوقية يشوبها الكثير من الغباء والعناد والمكابرة ، والإستمرار على هذا النهج سيولد ثقافة سياسية فاسدة مدمرة للأجيال القادمة.

وهنا يعرّف علماء التنمية والإجتماع الطبقة الوسطى بأنها طوق النجاة وسور الحماية وصمام الأمان التنموي والأمني لاستقرار أي دولة ، وضعفها يعد موشر للخطر لأن ازدياد الطبقة الدنيا سيقود إلى الكثير من المشاكل الإجرامية والأمنية لأن الطبقة الفقيرة ليس لديها ما تخاف عليه.

فالطبقة الوسطى هي منتوج اجتماعي ومولود شرعي للدولة وأداة إنتاج رئيسية ، وهي ضمان واستقرار البلاد بإعتبار أنها تحوي ثروة المجتمع وذخيرته ، خاصة أن غالبية المنتمين إليها جاءوا في الأساس من أوساط الطبقات الأدنى ثم صعدوا مراقي السلم الإجتماعي بفضل كفائتهم ومواهبهم وقدراتهم.

ولطالما لعبت السياسات الليبرالية الجديدة دوراً كبيراً في إعادة صياغة الطبقة الوسطى وتغير مسمياتها ، فقد تعرضت لضغوطات كبيرة خلال السنوات الماضية أهمها تراجع معدل النمو الإقتصادي وسوء الخدمات المقدمة لهم خصوصاً في التعليم والصحة والنقل وتضاءل الوظائف الجيدة التي كانت متوفرة سابقًا وتراجع القيمة الشرائية للدينار بسبب تضخم الأسعار وإزالة الدعم عن كافة السلع والخدمات وفرض ضرائب جنونية لا حصر لها بفضل وصفات وروشيتات البنك الدولي وصندوق النقد.

ولم تعد السياسة الإنمائية موجهة نحو التنمية بقدر ما هي موجهة لتقوية المنظومة الأمنية.

وخلال العشرون عاما الماضية تعرضت تلك الطبقة لأشرس هجوم في تاريخها وتراجعت إلى الصفوف الخلفية للمشهد السياسي .. فسابقاً تنازلت الطبقة الوسطى في الأردن عن الخبز مقابل السياسة ، لكنها حالياً خسرت الخبز دون أن تفوز بالسياسة.

وفي ظل أجواء التحول السياسي الحاصل حالياً ، وبعيداً عن القصف الجاري على مخرجات اللجنة الملكية والتعديلات الدستورية التي أرسلتها الحكومة إلى مجلس النواب والتي تمت دسترتها ، أكون كغيري من أصحاب التحذيرات الإستباقية من فشل العمل السياسي بسبب الإفراط في الغباء السياسي وغياب الطبقة الوسطى التي دُمّرت بفعل السياسات الإقتصادية والإجتماعية التي أدّت إلى إفقارها وإضعاف مركزها في البنية الإجتماعية مما أفضى إلى توسيع نطاق البرجوازية الطُّفيليّة.