النائب الأسبق أنور العجارمة يكتب: العجز الحقيقي المجمع للموارنة العامة يقترب من 2,462 مليار دينار

22 يناير 2022
النائب الأسبق أنور العجارمة يكتب: العجز الحقيقي المجمع للموارنة العامة يقترب من 2,462 مليار دينار
  • الموازنة مبنية على أساس التوجه بالنتائج وهي لا تتضمن أهدافا وطنية.
  • الموازنة بنيت على مرتكزات وفرضيات متفائلة يشوبها كثير من عدم اليقين ومرهون تحققها بالتعافي والاستقرار العالي.
  • ستصل حجم المديونية39.2 مليار دينار وبنسبة 116% من الناتج المحلي المقدر.
  • العجز الحقيقي المجمع للموارنة العامة نحو 2,462 مليار دينار واذا ما تحققت المنح فأن العجز سيصل 3.4 مليار عدا عن تبعات موازنات المؤسسات الأخرى التي لم يتم إدراجها.
  • 16 مؤسسة مستقلة خاسرة وفقط 9 مؤسسات تحقق فوائض مالية بنحو 29 مليون.
  • مؤشرات اقتصاد اجتماعي محبطه في ظل بطالة تتجاوز 30% ونسبة فقر 20% وجيوب فقر تصل 40 جيب.
  • نحو 13.5% من الأردنيين يعيشون تحت وطأة انعدام الأمن الغذائي الشديد.
  • لم تولي الموازنة العناية للأمن الغذائي في استيراد نحو 70 % من احتياجات المواد الغذائية و95% من القمح والشعير.

كتب الخبير الاقتصادي والنائب الأسبق ومقرر اللجنة الاقتصادية د. انور العجارمة مقالة بعنوان الموازنة العامة 2022 والعجلة الاقتصادية وقال:

الجميع يعلم ان جوهر ازمة الاقتصاد الأردني تمثل بعجز الموازنة وتواضع النمو الاقتصادي والتي يرجع سببها لاختلالات هيكلية وافراط في تمويل عجز الموازنة وسوء توجيه الانفاق ومحدودية تأثير الاستدانة في تحفيز النشاط الاقتصادي إضافة الى ضعف أدوات الاستثمار المتعارف عليها من ضيق الموازنة العامة وعدم حافزيه البيئة الاستثمارية ومحدودية القدرة الاقراضية للجهاز المصرفي، وكم كنت سعيداً عندما ادركت ان الحكومة حددت مشكلة الاقتصاد الأردني وفقاً لخطاب الموازنة العامة على لسان معالي وزير المالية بقوله “الأزمة عززت قناعتنا بأن اقتصادنا يحتاج إلى جراحات عاجلة وعميقة وغير سهلة لمعالجة اختلالات هيكلية مزمنة تأخرت معالجتها” ووصل لنتيجة مفادها الارتكاز على نهج تصحيحي شامل بعيداً عن الحلول التقليدية المستخدمة وتبني أساليب خلاّقة لتسريع وتيرة نمو الاقتصاد الأردني وفي مقدمتها تطوير الموارد البشرية وتحفيزها على الإبداع وابتكار مشاريع وتصدير المعرفة عوضاً عن تصدير العنصر البشري إضافة الى تحفيز النمو الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص على نحو يحافظ على المنافسة ويعزز التنافسية، وقد انتابني الفضول ان اقرأ ارقام الموازنة العامة 2022بحثاً عن خارطة طريق الحكومة لتوظيف قناعاتها في دفع دفة التخلي عن السكون واحداث أثر إيجابي على المؤشرات المالية  والاقتصادية والاجتماعية بما يضمن التوصل لحل مستدام، وانا كمراقب للشأن الاقتصادي لا يهمني صفة الموازنة مركزية او مستقلة بل انظر في مجملها دون تجزئة  كما وأن  قراءتي لأرقامها وبكل تجرد توصلت الى عدة حقائق أهمها:

  • في السنوات العشرة الأخيرة وقبل الجائحة حقق الاقتصاد الأردني نمواً متواضع ان لم يكن ضعيف ولم يتجاوز بالمتوسط 2% في حين تأتي الموازنة العامة 2022 بأرقام بنيت على مرتكزات وفرضيات متفائلة يشوبها كثير من عدم اليقين في تحقق نمو 2.7 %في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتةو5.3 % بالأسعار الجارية ونمو صادرات السلع 5.4%والمستوردات بنحو 2.5 % وتراجع عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات لنحو 4.5 % من الناتج المحلي وتحقيق معدل تضخم صحي يبلغ نحو 2.5 % ونمو الإيرادات الضريبية 10.7% والإيرادات غير الضريبية بنحو 9.6 % مؤكداً في ذات السياق على اشتراط خطاب الموازنة العامة ان ذلك مرهون بمعدلات التطعيم محلياً، وتحسن مستوى التعافي دولياً واستمرار فتح القطاعات الاقتصادية دون إغلاقات الى جانب عدم دخول العالم بحالة ركود اقتصادي مصحوب بالتضخم نتيجة هيجان أسعار السلع الأساسية وعدم رفع الفيدرالي الأمريكي مستويات الفائدة خلال عام 2022 وفي ظل كافة التوقعات الدولية تشير الى تواضع النمو الاقتصادي العالمي للعام 2022 وقد يصل الى انكماش سلبي عداك عن ضعف القوة الشرائية للأردنيين واستمرار تبعات الجائحة لفايروس مستجد ومتجدد، متمنياً ان لا تكون الغاية من ذلك تجميلاً للأرقام وترحيلاً للمشكلات.
  • كيف لي ان اثق بموازنة عامة مبنية على أساس التوجه بالنتائج وهي لا تتضمن أي نتائج او أهدافا وطنية أو برامج اقتصادية تحاكي مشكلاتنا الى جانب خلوها من أي مؤشرات استدلال وقياس لمدى التقدم نحو حل مستدام لتنامي عجز الموازنة وتواضع النمو الاقتصادي أو الحد من التوسع بالاقتراض أو تحسين هيكل الدين وضبط كلفة خدمتها وضبط مؤشر نسبة الدين العام من إجمالي الناتج المحلي أو مؤشرات لتحسين القدرة الاقراضية للجهاز المصرفي الاردني أو مؤشرات تعزيز الجذب الاستثماري او مؤشرات لقياس مدى استجابة نمو القطاع الخاص أو دلالات تحسن في نسب الفقر ومعدلات البطالة أو تحسين متوسط دخل الفرد ورفع القدرة الشرائية وغيرها، متمنياً ان لا تكون الغاية من ذلك تجنباً للمساءلة وتحّمل المسؤولية تجاه النتائج.
  • كيف لي ان اثق بموازنة لم تولي العناية الكافية في مؤشرات الاقتصاد الاجتماعي في ظل المعانة من بطالة متنامية تتجاوز 30% لمجتمع شاب ينمو بحدود 2.3 % سنوياً وارتفاع مؤشر الفقر الى اكثر من 20% ووجود نحو 40 جيب فقر الى جانب أن نحو 13.5% من الأردنيين يعيشون تحت وطأة انعدام الأمن الغذائي الشديد وبروز مؤشرات تدل على ان نحو 53 % من الأردنيين معرضون لانعدام  الأمن الغذائي (بحسب تقارير دولية وصندوق النقد الدولي) في حين توجهت الحكومة الى زيادة عبئ الكهرباء على المواطنين وقدمت موازنة تخلو من أي تحسين على الرواتب والظروف المعيشية و/او استحداث وظائف جديدة وغيرها، وكنت أتوقع ان تتضمن الموازنة العامة ترجمة لتوجيهات جلالة الملك بضرورة إيلاء جل الاهتمام من تحسين الموقف الأردني في الأمن الغذائي والدوائي بشقية الإنساني والحيواني والذي أشار الى انه جزء لا يتجزأ من الأمن القومي ونحن مدركين استيراد الأردن نحو 70 % من احتياجاته من المواد الغذائية الأساسية الى جانب تواضع انتاجنا من القمح والشعير والذي يلبي احتياج الاستهلاك المحلي بحدود أسبوع او اكثر قليلاً ، كما وتمنيت أن أجد تفكير خارج الصندوق لتحويل مستفيدي المعونة الوطنية الى اسر منتجة وغير ذلك.
  • كيف أقيم موازنة تحتوي ارتفاع غير مسبوق في مؤشر رصيد الدين القائم منسوباً للناتج الإجمالي والذي يفترض عدم تجاوز الدين القائم الداخلي نسبة 40%ومثلها للدين الخارجي وبالمجمل لا يجوز ان يزيد رصيد الدين العام القائم على 60%من الناتج المحلي بالأسعار الجارية، وبأجراء حسبة بسيطة على حركة الدين العام (شاملاً المكفول ومديونية صندوق استثمار أموال الضمان) نجد انه سيشهد ارتفاع في نهاية العام 2022 بنحو 6.3% ليصل نحو 39.2 مليار دينار وبنسبة 116% من الناتج المحلي المقدر بنحو 33 مليار و851 مليون دينار، ومن المؤسف استمرار الحكومة في مزاحمة القطاع الخاص واضعاف القدرة الاقراضية للجهاز المصرفي حيث تشير ارقام مصادر تمويل الموازنة الى أن نسبة الاقتراض الداخلي تصل نحو 65%،كما واسجل عتبي على نهج عدم ابراز مديونية صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي كدين على الدولة وأتمنى ان لا يكون ذلك تعمداً لتكييف الدلالات وإبراز مؤشرات اقتصادية مضللة.
  • كيف لي ان اقرأ موازنة مجزئة وخطاب يحاكي موازنة مركزية متجاهلاً المسؤولية تجاه موازنات المؤسسات المستقلة، وببحث ارقامها مجتمعة نجدان مجمل الإيرادات المحلية الذاتية المصرح بها تصل نحو 8.8 مليار دينار وبإضافة المنح الخارجية تصبح نحو 9.7 مليار يقابلها مجمل نفقات تصل 12,2 مليار دينار وبذلك يكون العجز الحقيقي المجمع للموازنة العامة نحو 2,462 مليار دينار واذا ما تحققت المنح الخارجية فأن العجز سيرتفع الى نحو 3.4 مليار عدا عن تبعات موازنات المؤسسات الأخرى والتي سترتب تبعات إضافية (موازنة امانة عمان والبلديات والضمان الاجتماعي وصندوق استثمار أموال الضمان) باعتبارها مؤسسات حكومية بامتياز.
  • قدرت مجمل فوائد الدين العام المستحقة في الموازنة العامة نحو 1.6 مليار وقد شكلت ما نسبة 13% من مجمل الموازنة العامة المجمعة وتلتهم نحو 18% من الايراد المحلي الحقيقي وشكلت نحو 4.7% من الناتج المحلي المقدر وانني أرى نمو هذا العبء وتفاقمه يعود لأسباب أهمها سوء هيكل الدين العام القائم على اعتبار ان الدين الداخلي ذو التكلفة المرتفعة يشكل نسبة 58% والباقي يمثل دين خارجي (42% من مجمل الدين) وكنت أتمنى لمس توجهات لأعاده هيكلة الدين العام على أساس ضبط كلف خدمته بحدود المستوى العالمي 2%.
  • لوحظ ان الموازنة العامة شملت موازنة 25 مؤسسة مستقلة محققة مجمل ايراد حقيقي يقدر بنحو 738.5 مليون (بدون منح ودعم الحكومي) يقابلها نفقات اجمالية مقدرة بنحو 1.5 مليار والمفارقة ان فقط 9 مؤسسات حكومية مستقلة تحقق فوائض مالية تقدر بنحو 29 مليون و16 مؤسسة خاسرة وتمنيت ان أرى توجهات للإصلاح الهيكلي وترشيق حقيقي باجتثاث الاحمال الزائدة وتعطيل قانون الفوائض المالية.
  • لقد قمت باحتساب نسبة الاعتماد على الذات وكانت نحو86.7% ويبقى ذلك مرهون بعدة عوامل أهمها تحقيق نمو إيرادات ضريبية بنسبة10.7% ونمو الإيرادات غير الضريبية بنحو 9.6 % وهنا تساورني شكوك في كيفية تحققها في ظل اجراء مصالحات على معظم القضايا الضريبية الى جانب تصفية كثير من الشركات وتراكم خسائر الشركات الأردنية للأعوام 2020 و2021 والذي يعني استمرار بقاء تأثير ذلك على الإيرادات المحلية لعقود قادمة الى جانب ايمان معالي وزير المالية بقوله “ان أهم الأسباب الكامنة وراء الاختلالات يرجع إلى التهرب والتجنب الضريبي والجمركي” معتمداً على تركيب منظومة يتابع  بها اقتصاد الظل (الاقتصاد الموازي) والذي يقدره البعض بنسبة 25% من الناتج الوطني متمثلٌ بضبط ايراد الأطباء والمحامين والمعلمين الخصوصي وسيارات النقل الخاص والبسطات والباعة المتجولين وعمال المياومة وتجارة الانترنت والشقق المفروشة وصالونات الحلاقة وغيرها، وهذا من منظور المحاسبة الورقية جائز ولكن تبعاتها الاجتماعية  ستكون جائرة وتكلفة ضبطها بشكل امثل تحتاج الى تكاليف عالية وهنا اسجل تحفظي على ذلك في ظل فشل الدولة في  تحصين إيراداتها الجمركية والتي بمجملها  متواضعة مقارنة مع يجب ان تكون عليه مقابل أرقام الاقتصاد الأردني وتجارته الخارجية، كما وأكد عتبي على عدم التطرق لفرض ولاية الخزينة على كافة إيرادات الدولة الى جانب معالجة المتهربين والمتجنبين وعدم الإشارة الى الرغبة لتحصين الخزينة وتضمينها بإيراد المؤسسات الناشزة عنها وكذلك عدم الإشارة لشمول الخزينة على ايراد مؤسسات رسمية بدلٌ لخدماتها المأجورة، كما لم اجد نية لوقف تغول عقود شركات توريد الطاقة على الخزينة وتمنيت ان أرى برامج تضبط تكلفة الهدر غير المبرر في الطاقة والمياه وتبخر المصفاة والتي تشكل عبئ حقيقي على الاقتصاد الأردني وتتجاوز تكاليفها حجم عجز الموازنة العامة وأناجد ما يشير الى اصلاح مالي لهيكل الإيرادات المحلية وتنويع مصادرها تجنباً للاعتماد على الضرائب كمصدر ومغذي رئيسي للخزينة وتمنيت التفكير خارج الصندوق والعناية بفلسفة المضاعف الاقتصادي والتخلي عن الضرائب قصيرة المدى والتي لا تعود بأثر مباشر وكبير على الاقتصاد وعلى راسها النفط حيث تأثيره يمتد للصناعة والنقل وكافة شؤون الحياة.
  • يقول معالي الوزير أننا في الطريق الصحيح نحو الخروج من ضيق الانكماش الى أفق النمو والانتعاش ولا بد من تحفيز النمو الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص وبالمقابل لم أجد ما يحفز القطاع الخاص على الاستمرار والنمو انسجاماً مع ماتم ذكره في خطاب الموازنة إن موازنة العام 2022 جاءت لتكون منطلقاً لبرنامج حكومي طموح يوطِّد أركان الانتعاش الاقتصادي، وهنا اتسأل وباعتبار ان الانفاق الرأسمالي يعطي مؤشر هام على توجهات الموازنة لتحريك عجلة النمو الاقتصادي وتحفيزه لخلق الفرص وتحقيق قيم إيجابية مضافة وبتحليل ارقام الموازنة نجد انها خصصت نحو 1,7 مليار دينار للأنفاق الرأسمالي وشكل نحو 14.8% من مجمل الموازنة والمفارقة ان ذلك يعادل ما تم تخصيصه لخدمة الدين من فوائد والمقدرة بنحو 1,6 مليار والمحزن في تدقيق أوجه توزيع الموازنة الرأسمالية لنجد ان أكثر 87% من المخصص وجه لمشاريع غير محركة لعجلة الاقتصاد والباقي تنموية وقد يكون لها تأثير إيجابي ولكنها لم تراعي التوزيع العادل بين المركز والهامش حيث تظهر الأرقام أن محافظة العاصمة وإربد والزرقاء هي الأعلى إنفاقاً رغم تفاقم المؤشرات الاجتماعية في محافظات أخرى

كنت أتمنى أن أجد نهج تصحيحي حقيقي ومستدام وأساليب خلاّقة تحاكي مشكلاتنا واتخاذ خطوات جريئة لمعالجة السكون الاقتصادي وتسرع من عودة بوصلة توازن الاقتصاد الكلي بأسرع الطرق واقل تكلفة على الخزينة، وانني اجد أن القطاع الخاص هو سبيلنا المناسب للدفع تجاه حل مستدام لجوهر ازمتنا اذا ما توفرت آفاق لأنموذج معادلة شراكة عادلة تهدف المحافظة على المستثمر الحالي وتجذب مستثمرين جدد بعد أن نرى توجه حقيقي للتخلي عن عقلية الجباية التي تسيطر على القرار المالي الحكومي والايمان بفاعلية أثر المضاعف على المدى البعيد.

حمى الله الأردن ارضاً وملكاً وشعباً