(الأحزاب التي نريد) وثيقة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية

6 أكتوبر 2021
(الأحزاب التي نريد) وثيقة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية

 

زهدي جانبيك

ما ان بدأت التسريبات حول قانون الأحزاب الذي تعمل اللجنة على تعديله بالخروج الى العلن، حتى بدأ سباقا محموما على تشكيل أحزاب جديدة، لا معنى لها إلا تأمين الطريق للوصول إلى البرلمان من خلال القائمة الحزبية المغلقة.
ولأنني لا اهدف من طرح هذا الموضوع إلى الترويج للفكر الحزبي أو ضده، ولا الى الترويج لمخرجات الوثيقة المذكورة في صدر هذا الموضوع، الا انني اسعى إلى محاولة لفت الانظار الى ممارساتنا وطريقة تفكيرنا حيال الأحزاب عموما، ومحاولة نقلها (تجربة الأحزاب) فكريا الى وجدان المواطن لاخراجها (الأحزاب) من مفهوم الصراع والتنافس الى مفهوم التعاون والتكامل كأداة في خدمة المواطن سواء كانت (الأحزاب) تعمل في جهة الحكم أو في جهة المعارضة.
إذ ان الأصل من وجود الأحزاب هو خدمة المواطن ومساعدته في اختيار من يمثله في السلطات التشريعية والتنفيذية من خلال تقييم القوى المتصدرة للعمل العام على شكل برامج وسياسات حزببة، بدلا من قيامه (المواطن) بتقييم الأفراد (المرشحين المستقلين) والاختيار بينهم للوصول إلى الامثل منهم لحماية الوطن والدفاع عن الحق.
وليس الحزب وايجاده هو الغاية والهدف، بل هو إحد الوسائل التي يمكن أن تساعد المواطن لتحسين ظروف بيئته السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال ربط الرأي العام (للمواطنين) بالسياسة العامة للدولة من خلال الأحزاب.

*التعريف* :
يعرف الحزب السياسي اكاديميا بأنه تنظيم اجتماعي دائم، قائم على مبادئ وأهداف مشتركة بين مجموعة من المواطنين، بهدف الوصول إلى السلطة. او التعبير عن رأي المجموعة المنتمية اليه.
ولتحقيق أهدافه فإنه يعمل على كسب التأييد الشعبي من خلال آليات وادوات اجتماعية وسياسية من بينها: الانتخابات.

وما أعنيه هنا، ان اللجوء إلى تأسيس الأحزاب ليس هو الهدف، بل ان البعض يرى بأن عدم وجودها افضل لتماسك ووحدة المجتمع، حتى ان جورج واشنطن مؤسس الاتحاد بين الولايات الأمريكية طالب بعد انتهاء رئاسته بعدم تشكيل أحزاب سياسية خوفًا من النزاع، وقد جاء الدستور الامريكي خاليا من اي إشارة الى الأحزاب، بل ان ابا الدستور الامريكي جيمس ماديسون ورفيقه توماس جفرسون الذين كتبا وثائق الفيدرالية الامريكية، نبها الى مخاطر وجود الفصائل السياسية (الأحزاب). ولكنهما سرعان ما اصبحا زعيمي الحزب الجمهوري، بعد ان ادركا أهمية الحزب في التعبير عن الرأي والتوجه، وتناوبا فيما بعد رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد سقت هذا المثال من التاريخ الامريكي الحديث لبيان ان الموقف الانساني من تأسيس الأحزاب يتبدل ويتغير، لانها اي الأحزاب، ليست هدفا ولا غاية بحد ذاتها وإنما هي وسيلة قد يلجأ اليها المواطن للتعبير عن رأيه الجمعي ان شاء.

*الحماية الدولية للحق بتشكيلها:*
وقد اهتمت المواثيق والعهود الدولية بهذا المفهوم للأحزاب والجمعيات، فجعلته حقا اساسا من حقوق الإنسان، ولكنها بذات الوقت منعت وادانت إجبار الفرد على الانضمام اليها أو على تأسيسها، فجاء في *الإعلان العالمي لحقوق الإنسان* الصادر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ عام 1948 ما نصه في المادة 20 على أنه:
( 1 ) *لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية* .
( 2 ) لا يجوز إرغامُ أحدٍ على الانتماء إلى جمعية ما.

وقد تم تأكيد هذا الحق في الانتساب للأحزاب في *العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية* الذي تم اعتماده وعرضه للتوقيع والتصديق والانضمام عام 1966 وكان تاريخ بدء نفاذه عام 1976، ووقعته *الأردن* عام 1972 وصادقت عليه عام 1975.
المادة 22:
1. *لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين* ، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.
2. لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق.

*الأحزاب في الأردن:*
هذا على المستوى الدولي، ام محليا، ففد فطن المشرع الاردني الى هذا الحق قبل إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعقود، *فجاءت المادة 11 من الدستور (القانون الاساسي) لإمارة شرق الأردن لتنص على :*
– *لجميع الأردنيين الحرية في الإعراب عن ارائهم ونشرها، وان يعقدوا الاجتماعات معا ، وان يؤلفوا الجمعيات* ويكونوا أعضاء فيها وفقا لاحكام هذا القانون.

وتم تأكيد هذا الحق في الدستور الحالي فجاءت المادة 16 من الدستور لتنص على:
1. للاردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون.
2 . *للاردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية على ان تكون غايتها مشروعة* ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف احكام الدستور.
3 .ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية ومراقبة مواردها.

بل ان الشعب الأردني سبق دستوره في تشكيل الأحزاب الوطنيه على الساحة الاردنية، وسبق تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، فكان سباقا الى الانضمام إلى *حزب الاستقلال* السوري بداية عام 1920 ثم تأسيس فرعه الاردني، عام 1921، وبعد ذلك وفي عام 1927 تأسس *حزب الشعب* لمناهضة المعاهدة البريطانية.

وعلى الرغم من مرور الحياة الحزبية في الأردن بمراحل صعود وهبوط كثيرة، الا ان الأحزاب بكافة توجهاتها واشكالها لم تتوقف وبقيت فاعلة على الأرض بشكل مباشر وسري، أو من خلال النقابات والجمعيات ومنها على سبيل المثال الحزب الشيوعي وحزب التحرير.

وعلى الرغم من صدور اكثر من قانون أحزاب لتنظيم الحياة الحزبية في الأردن ، الا ان ما هو على الساحة اليوم لا يرقى الى ما نصبو اليه كمواطنين، فلا يعقل ان يكون لدينا 49 حزبا مسجلا دون أي تمثيل حزبي لها في البرلمان باستثناء عدد محدود من النواب لا يتجاوز عدد أصابع اليد، نصفهم من جبهة العمل الإسلامي والآخرين مبعثرين من هنا وهناك. ولا يعقل ان لا يحصل ائتلاف ستة أحزاب يسارية في الإنتخابات النيابية الاخيرة الا على 16 الف صوت فقط، موزعة على 12 دائرة انتخابية شارك فيها الائتلاف وبمعدل 1500 صوت بكل دائرة منها، الأمر الذي يؤكد ويشير بوضوح الى ضعف الأحزاب الشديد، وعدم جديتها في العمل الحزبي.

وعلى الرغم من مرور 8 سنوات على نداءات الملك المتكررة في أوراقه النقاشية التي بدأها عام 2013 وخصوصا الورقة الثانية والثالثة ونادى فيهما بضرورة العمل على تشكيل أحزاب قوية ذات برامج ممثلة لتوجهات الشعب الأردني، الا انها (اي الأحزاب) فشلت في تحقيق اي تقدم يذكر على مدار العقود الثلاثة الماضية، وبقيت عبئا ماليا ثقيلا على الحكومة دون تحمل مسؤولياتها المجتمعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

*مشروع قانون الأحزاب الجديد*
واليوم وبعد مرور مائة عام على قيام الدولة الأردنية الحديثة، وبعد أن بقينا نراوح مكاننا حزبيا لثلاثة عقود، جاءت مبادرة الملك من خلال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بمشروع سياسي جديد ، يشكل نقلة نوعية في العمل السياسي الاردني وخطوة أولى جادة في طريق التنمية السياسية والحزبية في الأردن.
وقد تم بالأمس نشر الوثيقة السياسية التي تضمنت توصيات هذه اللجنة الى الملك، ولم تكد تجد هذه الوثيقة مكانا لها في الفضاء الإعلامي، حتى خرجت بعض الاصوات والأحزاب، ومنها ائتلاف اليسار اعلاه رافضة لما جاء في هذه الوثيقة حول قانون الأحزاب.
وقد ادهشني ان بعضهم، وقد تواصلت معه شخصيا قد أعلن رفضه لما جاء في الوثيقة قبل أن يقرأها، بل ان أحدهم أعلن رفضه لها ورفضه لقرائتها.

أجزم بأن الكمال لله وحده، واجزم بأن مقترحات اللجنة لن ترضي الجميع، وان لكل منا تحفظاته عليها، ولكنها اي توصيات اللجنة، اولا واخيرا جهد جماعي يشكل خطوة الى الامام، وهذه الخطوة لا بد لها من المرور في المسار الدستوري لتصبح قانونا ملزما.
ولكي نكون كمواطنين، اداة فاعلة في تشكيل الأغلبية النيابية المطلوبة لإخراج مشاريع القوانين السياسية التي اقترحتها اللجنة الملكية بالصورة التي نريدها، فإنني ادعو الجميع الى قراءة هذه الوثيقة السياسية الهامة، وإبداء الرأي حول ما ورد فيها للمساهمة في أحداث النقلة النوعية المطلوبة في الحياة الحزبية الأردنية.

*توصيات اللجنة الملكية:*
جاء في التوصيات تعريف الحزب بأنه: “تنظيـم ّ سياسي وطنـي، يتألـف مـن أردنيـين تجمعهـم قيـم المواطنة وأهـداف وبرامـج ديمقراطية ورؤى وأفـكار مشتركة، ويهـدف إلى المشاركة في الحيـاة السياسـية والعمـل العـام بطـرق سـلمية لغايــات مشروعــة ومــن خلال خــوض الانتخابــات بأنواعهــا، بما فيهــا الانتخابــات النيابيــة، وتشــكيل الحكومـات أو المشاركة فيهـا وفقـا للمادة 35 مـن الدسـتور.

وذكرت الوثيقة ان أبرز المحاور التي شملتها التعديلات والاضافات على قانون الأحزاب السياسية:
تعزيز الشفافية
تكريس سيادة القانون
حرية العمل
حماية الشخصية الاعتبارية
تعزيز التماسك المجتمعي
حماية المنتسبين للأحزاب
التناوب الديمقراطي
دور نوعي للأحزاب
الحاكمية الرشيدة
تمكين الشباب
تمكين المرأة
تعزيز الهوية الوطنية
ضمان حرية العمل الحزبي
نشاط حزبي لطلبة الجامعات
ووضعت مشروعا لقانون أحزاب جديد قد يكون اساسا قويا لحياة حزبية اردنية قوية قادرة على أحداث التغيير المطلوب.

وفي الختام، هذه دعوة للاطلاع على وثيقة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وقراءتها بتمعن، قبل إبداء الرأي بما جاء فيها.
ولكون الوثيقة تشتمل على مشروعي قانون الأحزاب وقانون الانتخابات لثلاث دورات انتخابية قادمة، بالإضافة إلى مقترحات التعديلات الدستورية اللازمة، وبعض التوصيات المتعلقة باللامركزية والتمويل، فقد جاءت الوثيقة في 240 صفحة.