وطنا اليوم – اختتمت اليوم، الثلاثاء 14 أيلول/ سبتمبر 2021، أعمال مؤتمر “استمرارية الحروب الأهلية العربية: الأسباب والتحديات”، الذي نظّمته وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
توزّعت أعمال اليومين الثالث والرابع على أربع جلسات. عُنونت الجلسة الرابعة في أعمال المؤتمر، بــ “الأجانب‘ في الحروب الأهلية”، برئاسة مدير قسم الأبحاث في المركز العربي حيدر سعيد. استهل الجلسة توماس جونو، أستاذ الشؤون العامة والدولية بجامعة أوتاوا، بورقة عنوانها “كيف غيرت الحرب الشراكة بين إيران والحوثيين؟”، حلّل فيها أسباب التحوّلات الكمية والنوعية ونتائجها في دعم إيران الحوثيين، وشرح كيف مثّلت هذه الشراكة انتصارًا مهمًا لإيران.
أما توماس هيغهامر، الباحث في مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية، فناقشَ في ورقة عنوانها “هل سيعود المقاتلون العرب إلى أفغانستان؟”، احتمالية تحوّل أفغانستان مرةً أخرى وجهةً للمقاتلين الأجانب الجهاديين، وذلك في ضوء تاريخ الحركة الجهادية العربية، والوضع الحالي في أفغانستان والشرق الأوسط، مجادلًا بأنّه من غير المرجّح العودة إلى حالة ما قبل سبتمبر 2001، على المدى القريب.
وفي ورقة بعنوان “الحزب الإسلامي التركستاني بين محلية ’الجهاد‘ السوري والصراعات الجيوسياسية”، تناول باحث الدكتوراه في جامعة إكستر حمزة المصطفى، وطالبة الماجستير في جامعة مرمرة ليلى الرفاعي، تحوّلات الحزب الإسلامي التركستاني، بوصفه فصيلًا مقاتلًا أجنبيًا في الحرب السورية، وطبيعة انخراطه في معارك عدة ضد النظام السوري من جهة، وفي النزاعات الجهادية – الجهادية ما بين تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة وهيئة تحرير الشام من جهةٍ أخرى. إضافةً إلى تتبع سياق نشأته وعملياته وتوسّعها، ورصد تكتيكاته القتالية، وتحالفاته الفصائلية، وعلاقاته مع المجتمعات المحلية التي ينشط ضمنها.
وفي نهاية الجلسة قدّمت نيكولا ماثيسيان، باحثة دكتوراه في جامعة كورال بيل، ورقة بعنوان “رصد تأثير المقاتلين الأجانب: الآثار الطويلة المدى للحرب السوفياتية – الأفغانية والحرب الأهلية الأفغانية”، ناقشت فيها افتراض ازدياد قدرة تأثير الجماعة المسلّحة مع تنامي الخبرة، وجادلت بضرورة أنّ يُرافق الخبرة الأولية المكتسبة في الصراع للمقاتلين الأجانب، تطبيق عملي في صراعات فعلية حتى يصبحوا مقاتلين فعّالين.
أما الجلسة الخامسة التي تناولت مسألة “تغيّر طبيعة الحرب (الأهلية)”، فتخللتها ثلاث مداخلات، وترأسها مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية بالمركز العربي. قدّم أولًا ريكس براينن، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماكغيل، ورقة بعنوان “الابتكارات العسكرية في الحروب الأهلية العربية: مقاربة تاريخية مقارنة”، تكلّم فيها عن اعتماد بعض المقاتلين في الحروب الأهلية العربية على الأساليب التكتيكية والعملياتية المبتكرة من أجل القتال، وعرضَ الظروف التي ظهر فيها “الابتكار” العسكري في الصراعات الأهلية في العالم العربي، مع إبراز الفرق بين التكتيكات الجديدة وتلك التي تُعدُ تكيّفًا شائعًا مع أنواع معيّنة في بيئات الصراع.
ثم قدم كريغ وايتسايد، أستاذ مشارك في أكاديمية الدراسات العليا للبحرية بكاليفورنيا، ورقة بعنوان “إقامة ’الخلافة‘: عقيدة الحرب الثورية لتنظيم الدولة الإسلامية”، تناول فيها الوثائق الأوّلية المسرّبة/ المستولى عليها، إضافةً إلى تحليل أكثر من عشرة آلاف هجوم أبلغ عنها تنظيم الدولة الإسلامية، مستخلصًا عددًا من الاستنتاجات بشأن أساليب الحرب التي يتّبعها التنظيم، وطريقة تصديره المنتسبين إليه (من العرب وغيرهم) إلى جميع أنحاء العالم.
ثم قدّم برينيار ليا، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوسلو، ورقة بعنوان “حركات التمرد والدويلات الجهادية: الجذور والتطوّر والآفاق المستقبلية”، ليناقش أسباب انتشار حركات تمرّد ودويلات تحت قيادة جهاديين، وازدياد أعدادها وقوّتها السياسية والعسكرية وانتشارها الجغرافي، مجادلًا بأنّ ضعف بنى الدولة – بفعل العولمة ونقص التنمية والصراعات المسلّحة المستمرة – لا يمكنه وحده تفسير صمود الجهاديين، بل هنالك عوامل مركزية أخرى لفهم كيف توسّع انتشار الحركات الجهادية وتقلّص. وتتعلق هذه العوامل بخصائص حركات التمرّد ذاتها، كإدارة “مواردها البشرية”، وأيديولوجيتها العالمية العابرة للحدود.
وجرى عقد الجلسة السادسة التي ترأسها عبد الفتاح محمد، الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في المركز العربي، بعنوان “التداعيات الإنسانية والبيئية للحروب (الأهلية)”، والتي تضمنت ثلاث مداخلات، افتتحها معتز الفجيري، رئيس برنامج حقوق الإنسان في معهد الدوحة، بورقة عنوانها “مرارًا وتكرارًا: التداعيات الإنسانية الناتجة عن الجغرافيا السياسية للحروب الأهلية العربية”، ناقش خلالها تأثير الجغرافيا السياسية الدولية والإقليمية المعقدة للحروب الأهلية في ليبيا واليمن وسورية؛ إذ لم تؤدِّ فقط إلى تفاقم التداعيات الإنسانية، بل كانت عائقًا أمام الوسائل المتاحة للمجتمع الدولي لحماية المدنيين والرد بفاعلية على الفظائع المرتكبة خلال هذه الحروب.
وقدم محمد السعيدي، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة قطر، ورقة بعنوان “الآثار البيئية للحروب الأهلية العربية: من تدمير الإمدادات الأساسية إلى التسليح”، عالج فيها العلاقة بين القضايا البيئية والصراعات، من خلال دراسة آثار الحروب الأهلية العربية في مجموعة واسعة من القطاعات المتعلّقة بالبيئة، من خلال التركيز على قطاعات الإمداد الرئيسة كالمياه والطاقة والغذاء، باستخدام أمثلة من اليمن وسورية، حيث تكشف الآثار المباشرة للحروب عن التدمير وقطع الإمدادات والتسليح، إضافةً إلى التأثيرات غير المباشرة والتي تتمثل بتدهور صحة الإنسان والنظم البيئية وإضعاف المؤسسات العامة.
وسلّط موسى علاية، أستاذ الإدارة العامة في معهد الدوحة، الضوء في ورقة له بعنوان “المعطيات الإنسانية والبيئية وانعكاساتها: دراسة حالة اليمن”، على المساعدات الإنسانية في اليمن، والتي تُعدُّ مصدرًا مهمًّا لتمويل الجماعات المسلّحة هناك؛ إذ غالبًا ما تنهب الجماعات المتنازعة المساعدات الإنسانية لتقوم بتوزيعها على أسس حزبية، وبيعها في السوق السوداء لتمويل القتال. ويجد الباحث أنّ قدرة المنظمات غير الحكومية على استخدام المساعدات الإنسانية بفاعلية وتسليمها للجهات التي تستحقها محدودة للغاية، حيث يمكن أن تؤدي نشاطات المنظمات غير الحكومية إلى توسيع اقتصاد الحرب بدلًا من الحد من آثارها.
وختم توماس دومروفسكي، أستاذ حقوق الإنسان بمعهد الدوحة، الجلسة بورقة عنوانها “تقاسم اللاجئين وتوزيعهم: الحرب الأهلية السورية بوصفها حافزًا جديدًا لإعادة صياغة القانون الدولي للاجئين”، بحثت أزمة اللاجئين، انطلاقًا من الحرب الأهلية السورية بوصفها تحتلُ أعلى معدلات نقل قسري للسكان منذ الحرب العالمية الثانية. وتناول المقترحات المختلفة في ضوء خطة التقاسم الأوروبية والبيانات التجريبية التي أنتجتها أزمة اللاجئين السوريين. وأكد ضرورة أن يحافظ أي حل عملي لقضية اللاجئين على المبادئ القانونية والأخلاقية التي طوّرت حتى الآن في القانون الدولي للاجئين.
أمّا الجلسة السابعة والأخيرة، فترأستها الباحثة في المركز العربي آيات حمدان، وكان محورها “النجاحات والإخفاقات والطرق المسدودة: حالات مقارنة”، وشارك فيها أربعة متدخلين. كانت المداخلة الأولى لديفيد داريشيفيلي، أستاذ في جامعة إيليا الحكومية، الذي قدّم ورقة بعنوان “من الحرب إلى ’الديمقراطية‘: كيف تحوّلت الحرب الأهلية الجورجية؟”، وقد عرضَ فيها تجربة جورجيا في إنهاء حالة الصدامات الإثنية والأهلية المسلّحة منذ إعلان الاستقلال في بداية تسعينيات القرن الماضي، مُشيرًا إلى العوامل التي تدير الأزمة السياسية، والتي تتمثل في الإرادة العامة للمجتمع بعدم العودة إلى فوضى التسعينيات، والحياد السياسي النسبي للقوات المسلّحة الجورجية، ووساطة الاتّحاد الأوروبي والولايات المتّحدة الأميركية.
أما الورقة الثانية، بعنوان “من الحرب الأهلية إلى إصلاح القطاع الأمني: الدروس المستفادة من صربيا والبلقان الغربية بعد الحروب الأهلية اليوغوسلافية”، فركز فيها لوكا ستريتش، باحث في مركز بلغراد للسياسات الأمنية، على حالة صربيا والبلقان الغربية، إذ شهدت يوغوسلافيا منذ ثلاثين عامًا حرب أهلية أدّت إلى تفكّك البلاد وإنشاء دول قومية جديدة. ومن أجل إرساء السِلم في المنطقة، قدّم الاتحاد الأوروبي عضوية كاملة لجميع جمهوريات يوغوسلافيا السابقة، بشرط أن تشهد هذه الدول عمليتَي تحول ديمقراطي ولبرلة على نحوٍ ناجح تحت بنود بروكسل، وفي ذلك تتساءل المداخلة عن مدى إمكانية استدامة عمليّة استيراد نموذج التحوّل الديمقراطي من الخارج لإرساء السلام في المنطقة.
في إثر ذلك، تعرّض علي الوحيشي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الزاوية، في ورقة عنوانها “الحرب الأهلية الليبية وآفاق السلام”، إلى جذور الحرب الأهلية المدوّلة في ليبيا، وجهود الأمم المتحدة والدول الأوروبية لإحلال السلام بين الأطراف الليبية المتصارعة. كما بحث التحديات والعقبات التي قد تعيق فرص تحقيق السلام وإخراج البلاد من حالة الصراع والانقسام، خاصةً من جانب الأطراف المستفيدة من الوضع الراهن، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
واختتم الجلسة الأخيرة منصور لخضاري، أستاذ العلاقات الدولية في كلية أحمد بن محمد العسكرية، بورقة عنوانها “التجربة الجزائرية في إنهاء الحرب الأهلية: سياقات الأزمة الأمنية ومآلاتها”. وقد ناقش فيها الطرائق والأساليب التي انتهجتها الجزائر لإنهاء الحرب الأهلية، مع التركيز على خصوصية التجربة الجزائرية، ودور المؤسسة العسكرية في تصميم الإطار المؤسساتي لإنهاء الحرب ومدى نجاحها في هذه المهمة.
وفي اختتام المؤتمر، قدّم مدير وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عمر عاشور الملاحظات الختامية؛ بدأها بشكر الباحثين المشاركين والحضور والقائمين على المؤتمر، وكذلك أساتذة برنامج الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا. ومن ثمّ أشار إلى مخرجات المؤتمر التي ستكون في كتاب مُحكّم يجمع فصولًا مختارة من الأوراق المشاركة في المؤتمر يصدره المركز العربي باللغة العربية، إضافةً إلى نسخة باللغة الإنكليزية ستصدرها دار نشر جامعية غربية. وقد أشار عاشور إلى أن هذا المؤتمر وما سبقه يندرج ضمن نشاطات وحدة الدراسات الاستراتيجية، كما أنّ هذه الموضوعات تُدرّس في مقررات برنامج الدراسات الأمنية النقدية. وختامًا لفت إلى أنّ المركز سيعقد خلال الشهور المقبلة مؤتمر الانتقال السياسي في السودان والجزائر، ومنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية.