كيف نواكب التحوّل الرقمي

7 سبتمبر 2021
كيف نواكب التحوّل الرقمي

المهندس: بلال خالد الحفناوي

إنّ الحرصَ على إنجاح مسيرة التحوّل الرقمي يتطلّبُ كثيراً من المسؤوليات والالتزامات من مختلف الجهات ذات العلاقة، سواءً أكان ذلك على مستوى الأفراد، أم الشركات (القطاع الخاص) أم الحكومات (القطاع العام)، إذ يتطّلب التحوّل الرقمي الحقيقي والناجح تعاون هذه الجهات الثلاثة وتكامل جهودها وتحمّل كلّ منها للمسؤوليات الخاصّة به.

فبالنسبة للأفراد يتعيّن عليهم تحمل مسؤوليةً أكبر عن تطورهم المهني والتقني من خلال تحسين المهارات أو إعادة تشكيلها؛ إذ يتوجب عليهم أن يجعلوا التعلّم وتطوير الذات أمرًا طبيعيًا مستمرًا على مدى الحياة، سواء أكان التعلّم من خلال البرامج التي يقدمها أصحاب العمل لموظفيهم أو من خلال قنوات التعلم الذاتي الخاصة كتعلم الدورات والمهارات من خلال الإنترنت او من خلال الاشتراك بجلسات نقاشية أو من خلال الارتباط بمراكز تعليمية، كما يجب على الأفراد أيضًا الاستثمار ليس فقط في المهارات الرقمية ولكن أيضًا في المهارات الفوقية او المفتاحية (Meta Skills)، وهي مهارات عالية المستوى تسمح للشخص بالتفاعل مع الخبرة الوظيفية بشكل أكثر فعالية، وهي محفزه للتعلم وبناء مهارات جديدة بشكل أسرع، ومن هذه المهارات الفوقية المهمة: حل المشكلات (Problem Solving)، والإبداع والابتكار (Creativity and Innovation)، والتفكير النقدي (Critical Thinking)، وإدارة الوقت ومهارة التعلم المستمر بالاضافة لمهارة التعاون والعمل الجماعي.

إنّ المهارات العادية مثل تعلم برمجية معينة، أو تعلم مهارة حاسوبية ما، تُعدّ مهاراتٍ مؤقتة وبحاجة لتطوير مستمر، أما المهارات الفوقية فهي مهارات دائمة للأفراد وستخدمهم جيدًا، وتوفّر لهم القدرة على الاستعانة بها، بصرف النظر عن التحولات التي تحدث في السوق، إذ من خلال هذه المهارات يصبح الأفراد أكثر مرونة عند تطورهم في المسار الوظيفي أو عند مرورهم بتغييرات مهنية متكررة او في حال انتقالهم إلى مناصب وظيفية مماثلة.

أما بالنسبة للشركات ومؤسسات القطاع الخاص فيتوجب عليهم في عدة مسارات لمواكبة التحول الرقمي وللبقاء ضمن السباق المتسارع، فمن مهماتهم تطوير أنظمة الأعمال التي تقوم بها الشركة وأيضا الاستثمار بالتقنية المناسبة لتطوير نماذج الأعمال، وانه يتحتم على الشركات اختيار المسار المناسب لتطورها و عدم البقاء خلف الركب مقارنة بالمنافسين، وعلى الشركات العمل بشكل متوازي لتطوير نماذج الأعمال المناسبة لخدمة عملاءها و تطوير منتجاتها والاستفادة من التقنية في تعزيز جودة المنتجات و تحسين الأداء، وأن تؤمن الشركات بالقاعدة التي تقول من لا يتطور فحتما سوف يموت.

وأيضا هنالك امر مهم جدا للشركات وهو رسم وتنفيذ الخطط الاستراتيجية المناسبة للقوى البشرية والتي من شأنها إجراء عمليات التقييم للطلب المستقبلي من الموارد البشرية على أساس الاتجاه الاستراتيجي للمؤسسة، كما يتوجب عليها تحديد الفجوات والمهارات المطلوبة لبعض الوظائف، وأن تعمل باستمرار على تطوير مهارات القوى البشرية العاملة الحالية، وصقلها، وخلق ثقافة التعلم مدى الحياة داخل المؤسسة، وذلك من خلال بناء أسس التعلم المستمر في نماذج أعمالها وجعل ذلك متطلبًا للاستمرار في العمل داخل المؤسسة. كما يُتوقع من الشركات إعادة التفكير في استراتيجيات توظيف المواهب والاحتفاظ بها، لأنّ الأشخاص الموهوبين لهم تأثير هام على نجاح المؤسسة والتأثير الإيجابي للاندفاع نحو العمل، ويعتبرون قدوة حسنة لبقية الموظفين، فضلاً عن حاجة الشركات إلى إيجاد طرق جديدة للاحتفاظ بمواهبها ودعمه وتحفيزهم على امتلاك كافة المهارات اللازمة.

أما بالنسبة للحكومات، فيجب عليها أن تستعد لتلبية متطلبات العصر الرقمي وأن تقدّر التحديات التي تنتظرها، ومن أهم المسؤوليات في الحكومة قيادة التحول الرقمي وبناء نظام بيئي للتعاون الرقمي، وتنظيم التقنيات الرقمية، واستخدام كل الامكانيات المتاحة في تسهيل بناء الاقتصاد الرقمي.

كما أن هنالك دورًا للحكومات في رسم استراتيجيات القوى العاملة، وذلك بالاستفادة من النماذج التحليلية المتطورة للتنبؤ بالعرض والطلب في سوق العمل، كما يتوجب عليها التركيز على بناء القوى البشرية المستقبلية للمواءمة بين العرض والطلب على الفئات العاملة بتخصصات معينة، والتقليل من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنجم عن عدم توفر وظائف مناسبة.

وهنالك دور هام أيضا للحكومات في تخطيط استراتيجيات التعليم، بحيث يتم تحديث نظام التعليم لتقليل عدم التوافق في التخصصات والمهارات والقدرات بين صفوف الخريجين وحاجة سوق العمل، وأن تصبح كافة المؤسسات التعليمية أكثر مرونة بحيث تُحدّث تخصصاتها بما يتوافق ويتواءم مع الاحتياجات المستقبلية للسوق.

وفي المجمل فإن تحمل المسؤولية من الأفراد والمؤسسات والحكومات سينعكس إيجابًا على إنجاح التحوّل الرقمي، مما سيساهم في بناء الاقتصاد الرقمي، الذي ستنعكس آثاره على الناتج القومي، كما سيساهم التحول الرقمي في تطوير الأنظمة التعليمية، وتطوير المهارات وتحسين البيئة الرقمية، وعندها ستكسب الدولة موقعًا استثماريًا مميزًا وجذاب للشركات العالمية وستكسب ميزة التنافسية على جيرانها بكافة المجالات.

*متخصص بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتحوّل الرقمي