هل الدراما تعبير عن الواقع أم تضخيم له؟

15 أغسطس 2021
هل الدراما تعبير عن الواقع أم تضخيم له؟

الدكتور صالح نصيرات

كلمة دراما مأخوذة من اليونانية بمعنى عمل ولا علاقة لها بالفن أو غير ذلك، لكنه دلالة الكلمة تطورة لتعني التعبير عن حدث أو خبرة إنسانية من خلال التمثيل المسرحي أو السينمائي وفي الحديث اليومي باللغة الانجليزية يقول الناس لبعضهم عندما يناقشون أمرا أو يتنازعون حوله خصوصا عندما يقوم طرف بتضخيم الحدث والخروج به عن الصورة الواقعية “قلبتها دراما”

ولذلك عندما يزعم من يقوم يتصويرنموذج موجود في الواقع على أنه الواقع، فإنه يقوم بعمل تضخيم للنموذج، ولا يعبر عن الواقع مطلقا. هذه المقدمة ضرورية لنفهم لماذا يتشبث نفر من أصحاب الهوى أو المصالح المادية أو الأجندات الخفية بمحاولات لتضخيم نموذج سلبي في المجتمع وجعله كأنه القاعدة في هذا المجتمع أو ذاك. ولأن من طبيعة الإنسان أن يتعلق بالفكرة التي يرمي إليها الكاتب أولا ثم يقوم المؤلف بأدائها من خلال توجيه مخرج له خبراته في هذا المجال. ولأن الصورة أهم من الف كلمة كما يقال، فإن كل من لديه فكرة ويريد الترويج لها، يعمد إلى الصورة لترسيخها في أذهان الناس.

وقد استخدمت القوى السياسية وأصحاب المصالح الاقتصادية تلك الصورة للترويج لفكرة يراد ترسيخها. فاليهود مثلا تمكنوا من صناعة السينما، وسيطروا عليها، ووظفوها لخدمة مصالحهم، والظهور بمظهر البرىء من دم العرب و الفلسطينين، وروجوا لفكرة العداء لهم من خلال الهولوكوست، حيث يعرض في اليوم الواحد أفلام كثيرة تندد بالنازية، وتظهر الآخر مصدرا للشر و الرذيلة الإنسانية.

وقد تلقفت جهات ذات صلات بقوى مخالفة لقيم الدين و المجتمع المسلم تلك الفكرة، فاصبحت السينما -رغم ما يمكن جنيه من فوائد منها- مصدرا لتكريس الرذائل، ووسيلة لنشر الفواحش، وتزييف الوعي الجمعي. واليوم نجد أن بعض المسلسلات أو الافلام القصيرة التي تنتج في بلاد العرب وغيرهم لها أهدافها الخاصة. فحتى تظهر المرأة مظلومة فلابد من فيلم يظهر فيه الرجل قاسيا وقاتلا محترفا ورمزا للاستبداد، وكذلك الحال بالنسبة للمسلم، فالسينما الغربية كرّست صورة المسلم بشكل عام في شكل رجل شهواني وزير نساء ومبذر للمال على الغانيات. وهكذا حتى أصبح العربي مرادفا لكل الشرور ونسخة عن الشيطان الرجيم.

و مسلسل” الروابي” على نتفلكس نموذج للدراما التي يقصد بها التضخيم بقصد التكريس. فالمسلسل يصور حالات فردية من التنمر و الخروج على القيم في مجتمعنا الأردني، لايقصد من وراء ذلك أن يعالج مشكلة التنمر أو كشف خبايا مستورة في بعض الفضاءات الاجتماعية، ولكنه يريد أن يقدم ما يمكن تقليده و القيام به. فالمراهقون بطبيعتهم ميالون إلى التقليد، في الشكل و اللغة و الأداء، فبدلا من حل المشكلة لدى فئة قليلة، تعم المشكلة وتصبح القاعدة لدى فئات كثيرة من الشباب. وهذا هو المقصود النهائي لتلك المشاهد التي يتحدث عنها قوم بفخر باعتبار هذا العمل ريادة وتطور في “الفن” الأردني.

إننا على يقين بأن هذه المسلسلات لا تأتي اعتباطا، ولا مجرد صدفة في هذا الوقت حيث يعاني كثير من الناس ضائقة اقتصادية ونشهد انحدارا في كثير من القيم الإيجابية، و لانكون مبالغين إذا قلنا إن كثيرا مما يُقدم اليوم من مسلسلات وأفلام وبرامج “واقع” تخدم هذا التدهور، وتحاول إلهاء المواطن عن قضاياه الرئيسية وإشغاله بالخصومات و النزاعات التي لا تسمن ولاتغني من جوع