وطنا اليوم – خاتم ذهبي، سكين، بندقية، ساعة؛ هذا ما كان بحوزة جندي أردني في آخر ساعات حياته، وما عثرت عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً أثناء الحفر لبناء قطار خفيف في القدس بالقرب من تل الذخيرة.
كانت معركة تل الذخيرة واحدة من أشرس معارك حرب النكسة عام ١٩٦٧، استمرت حوالي أربع ساعات، حاربت فيها سريّتان مشاة أردنيتان ضد مظليين إسرائيليين، وانتهت بفوز إسرائيلي بعد استشهاد ٧١ جندياً أردنياً، ومقتل ٣٦ جندياً إسرائيلياً.
وبسبب شجاعة ومثابرة الجيش العربي الأردني، ارتجل الجنود الإسرائيليون وقتها ضريحاً صغيراً على شكل علامة فوق بندقية أردنية، كتبوا عليها: “مدفون هنا ١٧ جندياً أردنياً شجاعاً.”
أما بعد هذا الاكتشاف، كتب المدير العام الإسرائيلي لموقع تل الذخيرة التذكاري منشوراً نعى فيه الجندي: “انتظرنا لمدة ٥٤ عاماً!… ربما خطر على باله أن حياته ستنتهي هنا، ولكنه رغم ذلك، لم يستغني عن موقعه.”
وفي معركة تل الذخيرة تقول صحيفة “معاريف ” ورد في التفاصيل التي كشفها أرشيف الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع بمناسبة الذكرى الـ 50 لـ”توحيد العاصمة” (مصطلح إسرائيلي لاحتلال القدس) أنه “كان واضحا آنذاك أن تلة الذخيرة لم يتم احتلالها بسهولة مثلما اعتقدنا”.
وتضيف :”من التحقيق الذي جرى لقادة ومقاتلين شاركوا في المعارك بالبلدة القديمة بالقدس وفي تلة الذخيرة، يتضح صورة قاسية لمعارك دامية ومزاعم بنفاذ الذخيرة، وغياب التخطيط الفاعل والمعلومات الاستخبارية”.
جاء في التحقيق :”هناك نقص في الذخيرة، أعدوا جنود من سكان القدس يعرفون المدينة، بهدف دمجهم بالقوات، لكن قبل لحظات من الخروج، أعادوهم لسريتهم. وخرجت القوات مع جنديين فقط يعرفون المنطقة، وفُقدت إحدى القوات في الطريق وعثر عليها بعد تأخير كبير”.
وبحسب التحقيق :”قال جيورا (أحد القادة) إن هذه كانت اللحظات التي واجه فيها رعبا لم يواجهه في حياته”.
كان “جيورا” قاعد السرية المساعدة في الكتيبة 66 التابعة للواء 55. وقد تحدث في التحقيق عن ضراوة المعارك في تل الذخيرة ومدرسة الشرطة. وتحدث عن توفير الذخيرة، ثم نفاذها.
ووصف الضباط المقاتلون مشاعرهم الصعبة حيال العدد الكبير من القتلى الذين سقطوا خلال المعارك، وقالوا :”في هذه المرحلة (بعد تفجير الجدار الثاني في تلة الذخيرة) خسرنا تقريبا فصيلا كاملا. فبالقرب من موقع القيادة يظهر موقعا يضم أردنيين لم يتوقفوا عن رمي القنابل تجاه القوات. كل من كان في الخندق سقط بين قتيل وجريح”.
وقال “جابي” (قائد آخر بالقوة الإسرائيلية) إنه من كثرة القتلى والمصابين لم يعد لديه من يقاتل، إذ توقفت المعركة عندما سقطت قنبلة وتصاعدت النيران من الموقع”.
خلال المعارك، صدر أمر بالصعود إلى فندق “امباسدور” بالقدس الشرقية، لكن المقاتلين الذين عانوا من غياب معلومات استخبارية استغرقوا وقتا طويلا لتحديد طريق الفندق الذي سيطروا عليه في النهاية. ويقول قادة في جيش الاحتلال “كان من الواضح أن تلة الذخيرة لن يتم احتلالها بسهولة مثلما اعتقدنا”.
ويتضح من الشهادات أن وحدة إخلاء المصابين تركزت بعيدا جدا عن موقع المعارك الضارية بتلة الذخيرة، ما صعب للغاية إخلاء القتلى والجرحى.. كان من بين من أدلوا بشهادتهم في التحقيقات “يعقوب حيتس” الذي تمكن في نهاية الأمر من تصفية القناص الأردني الذي جعل مهمة التقدم مستحيلة.
مسعف الكتيبة “يجال أراد”، الذي تلقى بعد الحرب وسام الشجاعة وقتل بعد ذلك في حرب أكتوبر 73 ، روى أنه كان يفتقر للمعدات اللازمة لنقل الجرحى. وبدأ فقط مع هدوء المعارك مهمة إخلائهم بمساعدة الجنود الإسرائيليين الذين جاءوا لاحقوا وحسموا المعركة.
يشار إلى أن تلة الذخيرة التي شهدت أشرس المعاركـ، كان موقعا عسكريا في الجزء الشمالي من القدس الشرقية ، مع خندق محصن يربط بينهما، وبُني الموقع على يد البريطانيين خلال الانتداب البريطاني على فلسطين في الثلاثينيات من القرن الماضي.