الكوتا الشركسية (الحلقة 3)

12 أغسطس 2021
الكوتا الشركسية (الحلقة 3)

زهدي جانبيك

لا بد للباحث في التطور التاريخي للمحاصصة البدوية الشركسية المسيحية في قانون الانتخابات الاردني ، ان يتساءل بعد مرور 90 عاما على إقرار هذه المحاصصة: ما هي المنافع أو المكاسب التي تحققت للمجتمع الشركسي (والمسيحي والبدوي) من حصته (الكوتا) في البرلمان؟

وهل كان (المجتمع الشركسي، والمسيحي، والى حد ما البدوي) يختار من يمثله في المجلس؟

وهل كان النائب الشركسي (والمسيحي) يمثل المصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية الشركسية (والمسيحية) وتوجهات المجتمع الشركسي تجاه قضايا الدولة؟

وهل ادت الكوتا الى زيادة المشاركة وزيادة التمثيل السياسي للشركس في البرلمان؟

و للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها، اعيد التأكيد على ما أوضحته سابقا، فقد بدأ تطبيق قانون المحاصصة هذا سنة 1928 ، وللحقيقة والتاريخ فقد رفضه اهل معان بالإجماع ورفضوا التسجيل للانتخابات النيابية الاولى، فتم إصدار قانون معدل لقانون الانتخاب لسنة 1928 بالغاء دائرة معان الإنتخابية وضمها الى دائرة الكرك. ورفض اهل عمان ايضا هذا القانون وتم تأجيل الانتخابات في دائرتهم الإنتخابية لمدة 3 شهور… ولكن ، ومع كل ذلك تم اعتماد القانون وتطبيقه وإجراء الانتخابات بموجبه.

التطور التاريخي للكوتا:

ونتيجة لما تقدم، وفي عام 1928 وفي المجلس التشريعي الأول كانت حصة الشركس نائبين من أصل 16 حصة (نائب) اي ما يعادل (12.5%) وقد مثلنا في هذا المجلس كل من :

– سعيد المفتي وشمس الدين سامي جرندوقة.

اما في المجلس الثاني فقد كانا: حسين خواجا وسعيد المفتي.

وفي المجلس الثالث كانا: فوزي المفتي و….

وفي المجلس الرابع كانا: حسين خواجا و شوكت حميد حؤبش وجاء بدلا منه عمر حكمت.

وفي المجلس الخامس: فوزي المفتي وحسين خواجا.

ثم بدأت المجالس النيابية (بدل التشريعية) بعهد المملكة واصبحت حصة الشركس نائبين من أصل 20 نائبا (10%)، ومَثَّلَنا في المجلس النيابي الأول كل من: سعيد المفتي ووصفي ميرزا.

وفي المجلس الثاني انخفضت حصة الشركس واصبحت 2 من أربعين نائبا (5%)، نتيجة ضم الضفة الغربية وقد مثلنا في هذا المجلس كل من: سعيد المفتي ووصفي ميرزا.

وبقيا في المجلس الثالث أيضا.

اما في المجلس الرابع فقد دخل عبدالكريم الخاص بدلا من سعيد المفتي وبقي وصفي ميرزا.

وفي المجلس الخامس: دخل الشيشان الى نظام المحاصصة، واصبحت حصة الشركس تسمى الكوتا الشركسية الشيشانية ومثلنا في هذا المجلس كل من: جميل ناورز شقم، وعبدالباقي جمو.

وفي المجلس السادس: انخفضت حصة الشركس مرة أخرى واصبحت 2 من 60 نائب (3.3%) وهما :

وصفي ميرزا وعبدالباقي جمو.

وفي المجلس السابع : عزالدين المفتي وقاسم بولاد.

وفي المجلس الثامن: وصفي ميرزا وعبدالباقي جمو.

وفي المجلس التاسع: رفعت المفتي وعبدالباقي جمو وبقيا في المجلس العاشر.

اما في المجلس 11 فقد ازدادت الحصة لتصبح (3.75%) 3 نواب من 80 نائبا وهم:

داود قوجق، ومنصور سجاجا، وعبدالباقي جمو.

وفي المجلس 12: دخلت توجان فيصل ، ومنير صوبر، وبقي عبدالباقي جمو.

وفي المجلس 13: نايف مولا ، ومنصور سجاجا، ومنير صوبر.

وفي المجلس 14: روحي شحالتوغ، ومحمد أرسلان، وعثمان الشيشاني. وقد انخفضت الحصة لتصبح (2.7%) اي 3 نواب من 110 نائب في ذلك المجلس.

اما المجلس 15 فقد مثلنا كل من: سميح بينو، ومرزا بولاد، ومنير صوبر.

وفي المجلس 16: دخل تامر بينو، وبقي مرزا بولاد ومنير صوبر.

وفي المجلس 17: دخل خير الدين هاكوز وبقي مرزا وتامر، مع تخفيض الحصة لتصبح (2%) اي 3 نواب من 150.

وفي المجلس 18: منصور سجاجا ، وتامر بينو، ونبيل الشيشاني…. وارتفعت الحصة لتصبح (2.3%) اي 3 نواب من 130 نائب.

واستمرت هذه النسبة في المجلس 19 ويمثلنا فيه حاليا كل من: خلدون حينا، وعدنان مشوقة، ومرزا بولاد.

وبعد هذا الاستعراض التاريخي، لا بد من تحليل بعض الأرقام. ولكن، وقبل ان ابدأ بالتحليل فإنني ازعم هنا، ان المقعد الشركسي الشيشاني لم يكن بيد الشركس والشيشان بقدر ما كان اداة بيد الأحزاب السياسية والتجمعات العشائرية لتحقيق مصالحها الخاصة، وبالتالي ، انتفى الهدف من التخصيص والمحاصصة وأصبحت (المحاصصة) احيانا عبئا على المجتمع الشركسي بسبب مخالفة النائب أو النواب للتوجه العام للمجتمع الشركسي ومنح الأولوية لتوجههم الحزبي أو تحالفهم العشائري، وقد كان هذا معروفا الى درجة التندر وإلقاء النكات بخصوصه، واذكر أنني عندما قابلت امين عام جبهة العمل الإسلامي للتباحث معه حول توجهاتهم في الدائرة الخامسة انهى اللقاء معي بدعابة تلخص كل ما ذكرته سابقا فقال موجها كلامه لي: هل تريدون أن نقوم بتنجيح شيشاني ام شركسي لهذه الدورة؟… وللقاريء ان يستنتج من هذه الدعابة من الذي كان يتحكم في اختيار ممثل الشركس في البرلمان.

وقد ادى كل ما سبق الى انخفاض، ان لم يكن انعدام الاهتمام والمشاركة السياسية لدى المجتمع الشركسي، وظهر ذلك جليا في نتائج الانتخابات منذ عودة الحياة الديمقراطية عام 1989 ، ففي حين حصل داود قوجق على 8012 صوت في الدائرة الخامسة في العاصمة نتيجة ترشحه على قوائم الاخوان المسلمين عام 1989، وحصل منصور سجاجا على 8747 صوت نتيجة تحالفه مع الأحزاب الفلسطينية، وحصل عبدالباقي جمو على 14181 صوتا نتيجة تحالفه الإسلامي العشائري… انخفضت هذه الاصوات الى أرقام متواضعه جدا عند تطبيق قانون الصوت الواحد عام 1993 فحصل عبدالباقي جمو على 1235 صوت كانت كافيه لفوزه بالمقعد في الزرقاء ، وحصلت توجان فيصل على 1885 صوت كانت أيضا كافية لفوزها بالمقعد في الدائرة الثالثة ، وحصل منير صوبر على 2302 صوت كانت كافية ايضا لفوزه بالمقعد الشركسي في الدائرة الخامسة التي تمثل اكبر تجمع شركسي انتخابي…

هذه الأرقام المتواضعه التي تشير بوضوح الى اللامبالاة وعدم الاهتمام تكررت في انتخابات عام 1997 فحصل منصور سجاجا على 2089 صوت كانت كافية لفوزه بمقعد الزرقاء ولم يتمكن عبدالباقي جمو صاحب الرقم القياسي 14181 من الحصول على أكثر من 1800 صوت وخسر مقعده…. وهذا يدل بوضوح ان من اختار نوابنا في عام 1989 ليسوا أبناء المجتمع الشركسي ، وأن هذا الأمر أدى إلى عزوف المجتمع عن المشاركة في الإقتراع الى درجة ان يفوز تامر بينو بالمقعد الشركسي الشيشاني بحصوله على 1390 صوتا فقط بانتخابات المجلس السادس عشر، وكان مرزا بولاد قد فاز بالمقعد الشركسي الشيساني بالتزكية في الزرقاء عام 2013 بانتخابات المجلس السابع عشر… وهذا يمثل عزوفا كاملا لدى المجتمع الشركسي الشيشاني عن المشاركة بالانتخابات ترشحا واقتراعا ويشير بوضوح، إلى فشل الإجراءات المؤقتة (الكوتا) في إزالة المعيقات من أمام الاقليات للوصول إلى البرلمان بدون الكوتا، وادت الى العكس تماما حيث شكلت (الكوتا) بحد ذاتها عائقا أمام مشاركة الشراكسة، والمسيحيين والبدو بفاعلية في الحياة الحزبية والسياسية في الأردن… وكأن هذا العزوف وعدم الإقبال على المشاركة هو الهدف الحقيقي للكوتات.

ونلاحظ ان نتائج المرشحين عادت الى التضخم مرة أخرى لتبلغ بضعة آلاف صوت كسابق عهدها في انتخابات 1989 وحدث ذلك فور إقرار قانون القوائم النسبية ، فحصل نبيل الشيشاني على 10335 صوتا، وحصل تامر بينو على 7844 صوتا وحصل منصور سجاجا على 5510 صوتا نتيجة ترشح ثلاثتهم مع قوائم الاخوان المسلمين.

وهذا يؤكد بوضوح ان مقاعد الحصة الشركسية الشيشانية في مجلس النواب لم تعد تخدم الغاية التي وضعت من أجلها لتحقيق التمثيل العادل للاقليات كما ورد بنصوص الدستور الاول ، وإنما، خدمت هذه الكوتا الأحزاب والتيارات السياسية، والعشائرية المختلفة التي عمدت الى استغلال هذه المقاعد الثلاثة لصالحها… تماما كما تم استغلال المقاعد المسيحية والبدوية لذات الهدف المتمثل في زيادة حصة الحزب في مقاعد مجلس النواب على حساب المقاعد المخصصة للاقليات العرقية والدينية التي شرعها دستور الإمارة عام 1928 وعمل قانون الانتخابات الأول بذات العام على تنفيذها.

والمتتبع للانتخابات الأخيرة لا شك سيلاحظ الحرب الضروس التي جرت على مقاعد المسيحيين في العديد من الدوائر الإنتخابية وكيف انسحب المرشحون الشراكسة والمسيحيون المتحالفون مع حزب جبهة العمل الإسلامي في الربع ساعة الأخير من الاستعداد للانتخابات لحرمان الجبهة من الاستفادة من هذه الميزة التي اعتادوا عليها لزيادة عدد مقاعدهم في المجلس.

ومن هنا جاءت مطالبتي بالغاء هذه المحاصصة والتحول الى قانون يساوي بين كافة المواطنين في نسبة التمثيل السياسي دون النظر الى أصولهم، أو ديانتهم، أو عرقهم، أو لونهم، أو لغتهم… وان شئتم أو جندرهم.

فهل تجرؤ اللجنة الملكية للإصلاح السياسي على اتخاذ هذه الخطوة الأساسية لاعادة القطار الى سكته الأصيلة المستندة الى قانون الانتخاب الأول الذي وضعته ثلة من الوطنيين الاحرار عام 1923 وكان مبنيا بشكل اساسي على تساوي المواطنين في نسبة التمثيل السياسي في مجلس الشعب… مجلس النواب العتيد.