جريس سماوي.. قصيدة داعبت غيـم الحنين وحلّقت بجناح ملائكي

19 مارس 2021
جريس سماوي.. قصيدة داعبت غيـم الحنين وحلّقت بجناح ملائكي

​​​​​​​ نضال برقان

مثل قصيدة ما انفكت تداعب غيم الحنين، وتواصل تحليقها بجناح ملائكي، ظل الشاعر الراحل جريس سماوي، (1056-2021)، مخلصا لإبداعه ولمشروعه الشعري، فظل حاضرا في الوجدان الثقافي المحلي والعربي، بوصفه شاعرا أنيقا، حريصا على أن يجد طريقه إلى قلوب الناس، من دون أن يتنازل عن شرط قصيدته الجمالي.

سماوي نفسه كان منغمسا بالعمل الثقافي بوصفه وظيفة، من خلال إدارته لمهرجان جرش، وعمله أمينا عاما لوزارة الثقافة (7/3/2006 – 1/7/2011)، ومن ثم وزيرا للثقافة في حكومة الدكتور معروف البخيت (2/7/2011 – 13/10/2011)، غير أن بوصلته الإبداعية لم تبتعد عن جهة الشعر في يوم من الأيام.

وزير الثقافة علي العايد نعى الراحل سماوي، مؤكدا أن رحيله يعدّ “خسارة كبيرة للوطن، وخسارة للثقافة العربية التي كان أحد رموزها، لاسيما وأنه كان يعد علامة فارقة ليس في المشهد الشعري الأردني وحسب، إنما الثقافي والإعلامي العربي”. وأشار العايد إلى إسهام الفقيد في بناء الوجدان الثقافي والوطني من خلال رؤيته الشعرية الوطنية والعروبية التي استقاها من ينابيع الأصالة والقيم الراسخة للإنسان الأردني المعطاء.

سماوي نفسه كان شاعرا وأديبا وإعلاميا بارزا، درس الأدب الإنجليزي والفلسفة وفن الاتصالات الإعلامية في أميركا. وعمل الراحل في التلفزيون الأردني وقدم مجموعة من البرامج التي تتصل بجماليات المكان، صدرت له مجموعة شعرية بعنوان “زلة أخرى للحكمة”، وترجمت قصائده إلى الانجليزية والفرنسية والاسبانية والايطالية والرومانية والتركية. كما أصدرت جامعة كوستاريكا ترجمة لمجموعة من قصائده، وأصدرت جامعة اسطنبول مجموعة من أشعاره مترجمة إلى التركية. وكتب سماوي عددا من المسرحيات الغنائية، ونشر في العديد من الصحف والمجلات الأردنية والعربية وشارك في كثير من المهرجانات العالمية، وكتب الشعر باللغة الإنجليزية بالإضافة إلى العربية. وقد ترك رحيل سماوي جرحا غائرا في الوجدان الثقافي العربي بعامة والأردني بخاصة، وقد كتب أصدقاء الراحل كلمات وجدانية تجسد تلك الخسارة، عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. في التقرير الآتي نرصد جانبا من تلك الكلمات:

 مفلح العدوان:

يباغتنا الليل، حين ننام، فنصحو صباحا على خبر موت جديد، تعبنا من هذا الحال، ولكن اليوم المصاب كبير، إذ نصحو على خبر وفاة الصديق الشاعر جريس سماوي، هذا الإنسان النبيل والمثقف الحقيقي والشاعر الشفاف الراقي العزيز على قلب كل من عرفه

جريس سماوي.. على روحه السلام.

امتطى صهوة فرس الغياب ومضى.

وقد كان يمتلك هدوء نسمة، وحضور شاعر مرهف الحس سخيّ العطاء.

هكذا رحل، بخفة روح تبحث عن عوالم أخرى، هو صاحب الابتسامة التي تحمل يقين الرضا، كان كلمة طيبة لم تدنسها مغريات المواقع، شفافية نبض لا يكذب أهله، صوت سارح في ملكوت النقاء يرتل القصيد برحاب القداسة، عرفته دائما يصهل بأبجديات الطيبة، ويعجن قمح الأصالة لينتج خبز الثقافة الراقية ببراءة الواثق من تجليات عطائه.

رحل جريس.. نودعه بالمحبة وبالذكر الطيب.. وما كان يوما إلا محبا طيبا نابضا الحس الإنساني الشفيف.. بها ملامح وجهه تشع مع الغيم، في ارتقائه نحو الأعالي، وكأنه وهو يلوّح لنا في صعوده، يلكز غيم الحنين بجناحه الملائكي، فيهطل منه رذاذ الذاكرة والحضور الذي يبقيه بيننا حتى في الغياب.. وداعا جريس سماوي، أيها الصديق الشاعر الإنسان، سنفتقدك كثيرا، لكنك بيننا دائما، لا تغيب!

 يحيى القيسي:

كيف أرثيك يا جريس ولك في القلب والروح مني مكانة الأخ الشقيق والصديق القريب..!

أوجعنا رحيلك أيها النبيل.. الكريم.. الشهم.. الصادق.. الجميل..!

أنت تعرف رأيي بالموت، وأنه انتقال إلى حياة أخرى أكثر جمالاً وشفافية وليس فناءً أو نهاية أبداً..!

حياة علوية تليق بروحك المحلّقة وشغفك السامي بكلّ ما هو نبيل عند رحمن رحيم..!

كنت أنتظر الفرصة المناسبة كي تنهض من مرضك القاسي كي أعزيك برحيل شقيقك سليم، وأشد من أزرك، لكني اليوم أعزي نفسي برحيلك..!

يا لقسوة الحياة، وتفاصيلها المرعبة التي تطاردنا في سكينتنا كل يوم..!

نم قرير العين محفوفاً بالنور… عليك السلام..!

 هزاع البراري:

مثل غيمة سقت الأرض ترحل

مثل شجرة مباركة تبقى متجذرا في الذاكرة

ملأت القلوب حبا وفرحا.. واليوم تنزف العيون ألماً على فراقك

كم هو قاس وموجع هذا الفقد.. فقدك يا جريس

يا جرس القصيدة وعطر الكلمات والروح الطيبة الطيبة

لروحك السلام والرحمة.

 كايد هاشم

أطفأ الشاعر لهب السّراج بنقطةٍ في آخر السطر

وغادر إلى النور.. اشتعلَ سراج الوجع في الكوكب الحزين من أول القصيد! لروحك الرحمة والنور والسلام الصديق الصدوق جريس سماوي

 د. موسى برهومة

منذ أخبرني الأصدقاء، قبل عشرة أيام، بأنك دخلت غرفة العناية الحثيثة مجدداً، وأنا اقلّب اللحظات كي أسمع أنك عدت إلينا مرصّعاً بالدهشة والأناشيد والغواية. كنتُ أتحاشى أن أفتح صفحات الأصدقاء كيلا أرتطم بالخبر الذي أهرب منه، حتى جاء فجر هذا اليوم الصاعق.. يا إلهي كم أنا حزين. لم يعد في القلب متسعٌ للألم.

نم يا صديقي. لقد أوحشتْ الحياة من دونك. مَن سألتقي إذا جئتُ يوماً إلى الفحيص وقد غاب قمرها؟

دعوتك أبا حنا أن انهض، لكنّك لم تصغ إليّ. زلة أخرى بغيضة ارتكبها الموت فخطفك. لترقد روحك بسلام