في الذكرى الوطنية.. تعريب قيادة الجيش الأردني

3 مارس 2021
في الذكرى الوطنية.. تعريب قيادة الجيش الأردني

سمير الحباشنة

كثيرٌ من المؤرخين و الكتّاب يقزمون هذا الحدث الوطني القومي الكبير، على أعتقادهم بأنهم يخدمون المرحوم “الملك الحسين” بحيث يبدو الأمر و كأنه قرار أداري بسيط،مثل أي قرار روتيني بإحالة بعض الضباط على التقاعد ! فيُقال ” أن الملك أبدى رغبة بإحالة الجنرال كلوب/ رئيس هيئة الأركان و الضباط الأنجليز على التقاعد، فقام مجلس الوزراء بتنفيذ تلك الرغبة .. ” !

و الحقيقة أن تعريب قيادة الجيش العربي/القوات المسلحة الأردنية، كانت عمل وطني كبير ومواجهة سياسية مع بريطانيا، مواجهة كانت مؤهلة لو لم يتم تنفيذ القرار الى إشتباك بين الجيش الأردني والقوات البريطانية المتواجدة في الأردن.

يقول المرحوم شاهر أبو شحوت و الذي كان الى جانب المرحوم محمود المعايطة يقودان تنظيم الضباط الأحرار.

 ( أن الجنرال كلوب قد أخبره حين كان يعمل مرافقاً له، بأن القوات البريطانية لن تخرج من الأردن قبل عام 1970 عندما يكون الأردنيين قد تأهلوا للقيادة)، و لم يدر بخُلد الجنرال كلوب أن أبو شحوت و الضباط الأحرار و الجيش العربي بمعرفة و قيادة الملك حسين يعد العدة لتعريب قيادة الجيش و التخلص من القوات البريطانية في البلاد .

و يقول محمود المعايطة بأن عملية تعريب قيادة الجيش وطرد الأنجليز كانت عملية عسكرية مخطط لها،حيث أن وحدات من الجيش الأردني كانت قد أحاطت بالقواعد البريطانية وكانت ستقتحمها لو رفض الجنرال كلوب والضباط الأنجليز تنفيذ القرار. وكان أسم العملية العسكرية DIOMND على أسم ولاعة سجائر كان يستعملها المعايطة نفسه.

ويقول المرحوم علي أبو نوار “رئيس الأركان فيما بعد” والذي كان يمثل حلقة الوصل بين الملك حسين والضباط الأحرار في الجيش، (أن الملك اتخذ قراراه بطرد القيادة الأنجليزية بعد أن أطمئن أن القوات المسلحة الأردنية كانت جاهزة لأقتحام القواعد الأنجليزية وأعتقال الجنرال كلوب و من معه فيما لو تم رفض تنفيذ الأمر)..

ويضيف أبو نوار الذي كان الى جانب الملك حسين، عندما أمر الأخير هاتفياً رئيس الوزراء بتنفيذ قرار التعريب، و أنهاء خدمات الضباط الأنجليز، و يقول أن رئيس الوزراء آنذاك قد فوجئ و رد على الملك بالقول:

 “هذه بريطانيا يا سيدنا”.

ولما أحس الملك بشئ من التردد أرسل رئيس الديوان الملكي آنذاك بهجت التلهوني و اللواء راضي عنّاب وعلي أبو نوار للتأكد من تنفيذ القرار.

ويضيف اللواء أبو نوار أن مشروع القرار بالتعريب و حين طرح على مجلس الوزراء وشابَ الأجواء بعض التردد، خاطب الوزير فلاح المدادحة الحضور قائلاً:

” الملك يُعطي للوطن ولكل العرب مثلاً على الأنتماء والوطنية وتعزيز الأستقلال، وهو شرف لنا كوزراء يقدم على طبق من ذهب فكيف لنا أن نرفض هذا الشرف ؟!”

و عندها قام فلاح المدادحة وبهجت التلهوني و برفقتهم الضابط توفيق موسى القسوس الهلسة بالذهاب الى منزل الجنرال كلوب و أبلغوه بالقرار الذي وقع عليه كالصاعقة، وأمروه مغادرة البلاد فوراً. كما لم يستجيبوا الى رغبته بطلب مهلة لمدة 24 ساعة.. فتم مرافقته الى مطار ماركة حيث كانت طائرة بأنتظاره وتم ترحيله الى قبرص.

ويقول علي أبو نوار أن رئيس الوزراء البريطاني وما أن سمع بالأمر، حتى حاول الأتصال بالملك حسين الذي لم يستجب الى الأتصال فأرسل برقية مفادُها “الملك حسين /عمان

عليكم أن تأمروا بأن يكون الجنرال كلوب في مكتبه في عمان غداً كما هي العادة”

قرأ الملك البرقية و عقب عليها أمام أبو نوار ومن كان في القصر:

“كان يوماً طويلاً ونحتاج الى بعض الراحة”.

أذاً / فعملية تعريب قيادة الجيش الأردني لم تكن قراراً أدارياً بسيطاً ،بل كانت واحدة من المواجهات الوطنية والقومية مع بريطانيا ” العظمى ” حيث أنتصر الحق و تم تعريب قيادة الجيش العربي الأردني .

أذاً / فالتعريب الذي تم في الأول من آذار 1956 عملٌ وطني بأمتياز يضاف الى سلسلة الأنتصارات التي حققها العرب في تلك الفترة ، فقبل ذلك فشلت عملية أقحام الأردن في حلف بغداد عام 1955،وبعد التعريب بقليل تم إجلاء القوات البريطانية عن مصر في حزيران 1956، تلاه الحدث الأكبر بتأميم قناة السويس في تموز 1956 وفشل العدوان الثلاثي فيما بعد على مصر. و بعد ذلك تم الغاء المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1957.

وبعد.. فأن تعريب قيادة الجيش العربي / القوات المسلحة الأردنية عملٌ وطنيٌ محل أعتزاز كل عربي، و صفحة مجيدة في تاريخنا العربي المعاصر، و عمل لابد يُحتذى . و بلحظة ما، سوف تعود لأمتنا حريتها و أستقلالها المختطف فيستأنف العرب العمل معاً من أجل تحقيق طموحاتهم الكبرى و المشروعة .

والله ومصلحة العرب و الأردن من وراء القصد

ما ورد على لسان الشخصيات التي وردت في المقال هو حديثٌ مباشر منهم الى كاتب المقال