د. عادل يعقوب الشمايله
الاردنيون منزعجونَ من رد الحكومة الضعيف وغير المتناسب على تصريحات نتنياهو. ردةُ فعلِ الحكومة الاردنية يخالف قانون نيوتن الثالث بأنَّ لكلِ فعلٍ ردُ فعلٍ مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، حيث لم يسمعوا من الحكومة ما يفيدُ أنها ستطأُ على انف نتنياهو وتقتلع الكيان المسخ المنبوذ تاريخيا من جذوره حتى وإن كانت جذوره في واشنطن ولندن.
تصريحاتُ نتنياهو يجب ان تُفَسَرَ على أنها إعلانُ حربٍ مُدرج على الأجندةِ الرسمية ضمن جدول زمني يحددُ نتنياهو وبقيةُ الغاصبين الصهاينة الهمج موعدَ تنفيذه. كلام نتنياهو لا جديد فيه فقد ورد في كتابه “مكانٌ تحتَ الشمس”.
من البديهي ان يترتبَ تلقائيا على “اعلان الحرب هذا الصريح” من قبل نتنياهو ان يبادرَ الاردنُ الى الغاء كافة الاتفاقات الثنائية بدءاً من اتفاقية السلام التي استغلتها اسرائيل لسرقة كامل حقوق الاردن المائية في نهري الاردن واليرموك ووادي عربة، واعطت اسرائيل وحدها المكاسب من الاتفاقات الثنائية سواءا في الطاقة او التجارة.
كانَ يجبُ ان يلحظَ الاردنيون خطواتٍ جريئةً لتعزيز الاستعداد العسكري الفعال وبما يتناسبُ مع امكانات وموارد الاردن البشرية والطبيعية والجغرافية ومخزون الايمان لدى مواطنيه بحقهم وإيمانهم بأنَّ اسرائيل باطلٌ وشيطانٌ رجيمٌ لا يستحقُ الا الرجم.
فبدائلُ الاستراتيجيات الدفاعية متعددةٌ ومجربة. كما ان تطور التكنلوجيا العسكرية وكما هو مشاهدٌ في الحرب الروسية الاوكرانية يتيحُ تقليصَ الفجوةِ بين قدرات اسرائيل العسكرية وقدرات الاردن. المهم ان يقول الاردن لاسرائيل (ددديه، ددديه، ددديه).
ومع أنَّ الاردنيين اكثر من عاتبين على حكومتهم فإنَّ ردةَ فعلهم على الموقف البارد الناعم لحكومتهم لا زال موزوناً ومراهناً على ان ينعدل موقفُ الحكومة.
في ميزانِ الأرباحِ والخسائرِ سينتقلُ الاردنيونَ في حال احتلت اسرائيلُ الاردنَ، من رعايا الحكومة الاردنية الى رعايا اسرائيل بغض النظر عن ترتيبهم على سلم المواطنة من الدرجة الثانية او العاشرة. لكنهم سيظلون موجودين على ارضهم ولو الى حين كما هو حال فلسطيني الضفة الغربية وعرب ١٩٤٨.
هذه النتيجة لا تنطبق على الحكومة. فقد ورثت بريطانيا وفرنسا الدولة العثمانية. وورثَ الكيانُ الصهيوني بريطانيا بعد رحيلها من فلسطين. وورثت اسرائيلُ الضفة الغربية من الحكومة الاردنية ويتعامل اهلها الان بالشيكل وليس الدينار الاردني.
إذاً، احتلالُ اسرائيل للاردن سيلغي سيادة الدولة الاردنية وسلطتها الفعلية ووجدها على الارض الاردنية التي ستصبح أراضٍ اسرائيلية.
فإذا كانت الحكومةُ غيرَ قلقةٍ من التصريحات التي يتنافسُ على فظاظتها وتحديها زعرانُ الدولة المسخ، ومش فارق معها بقائها او زوالها فلماذا يقلقُ عليها الاردنيون؟
الأمرُ الطبيعيُ في هذهِ الحال، أنه طالما أنَّ الحكومة الاردنية لم تعلن لحد الان عن استراتيجية التصدي لمخططات العصابة الصهيونية المجرمة، استراتيجيةً يقتنعُ بها الاردنيون القلقون على وجودهم، وليسَ استراتيجيةً تُقنعُ وسائل الاعلام الحكومي، والمطبلين والمنافقين المعتادين، فإنَّ على الاردنيين ان لا يقعوا في الخطأ التاريخي الذي وقع فيه اشقائهم الفلسطينيون الذين لم يعوا في الوقت المناسب أبعادَ الخطرِ الصهيوني. ولذلك لم يُسارعوا الى تنظيمِ صفوفهم والانخراطِ في جبهةِ مقاومةٍ واحدةٍ لدرءِ الخطرِ وحصارهِ واستئصالهِ، بل اتبعوا استراتيجية الفزعةِ والطوشِ مع المستوطنين والعنتريات الكلامية، ووزعوا قدراتهم الممكنة بين مجموعات متنافسة متنازعة مفككة غير مدربة وغير مسلحة بما يكفي، ومحدودة الموارد، وبعضها متآمر، وبعضها يعملُ لتحقيقِ اجنداتٍ شخصيةٍ او اقليمية.
كما وثقوا بالتطمينات وخطابات التهدئة من خارج الحدود ومن داخلها على السنة المخاتير والزعماء التقليديين والسماسرة.
الزعماءُ التقليديون والمخاتير والشيوخ والسماسرة كانوا اول الهاربين من فلسطين حاملينَ معهم اموال السمسرة والعمالة واثمان الاراضي التي باعوها للمستوطنين فأسسوا بها بنوكاً ووكالات تجارية للاستيراد والتصدير وصحفاً، وبعضهم أجادَ التسللَ لمناصب سياسية مقدمين أنفسهم على أنهم يمثلون اللاجئين الفلسطينيين مع أنَّ اللاجئين هم من ضحاياهم.
ثُمَّ، بعد ان طارت الطيور بأرزاقها وتكشفَ ضعفُ الجماهير ويأسها راحوا يتمنون على الشعوب العربية المجاورة ان تَهِبَّ لنجدتهم متناسيين أنَّ فاقد الشئ لا يعطيه اذ كانت شعوبا محتلة من الدول التي انشأت اسرائيل.
مصيرُ الاردن لا يجبُ ان يقرره اللَّا الشعبُ الاردني فقط. من يتولونَ مناصبَ حكوميةً مؤقتةً ليسَ لديهم وحدهم سلطةُ تقريرِ مصير الاردن، ومن الخطأِ والخطرِ أنْ يظنوا ذلك، بلْ وأن يُسمحَ لهم بمثلِ ذلكَ الظن. ذلكَ أنهم ليسوا منتخبينَ منَ الشعب ليَدَّعوا أنهم يمثلون ارادتهُ ويعبرون عنها.
الحكومةُ بموجبِ الدستور مسؤولةٌ عن ادارة الشؤون الداخلية والخارجية عدا ما عُهِدَ به لمؤسسات أُخرى. ما تديرهُ الحكومات فعلياً على المستوى الخارجي هو الشؤون القنصلية فقط. لذلك لا يُحمل الله نفساً الا وسعها. السياسةُ الخارجيةُ لمعظم دول العالم اصبحت بيد امريكا.
وكذلكَ الأمرُ مع مُدعي الزعامةِ والشيخةِ بغضِ النظرِ عن ثمنِ العباءات التي يرتدونها وفيما اذا كانت عراقيةَ الاطرافِ او صينية العينين.
ومنَ المهمِ التنبيه والتحذير من السماح لجراد الاخوان ومعهم باقي اوجه وفصائل الاسلام السياسي بأي دور. ممنوعٌ عليهم الاقترابُ من الفعل الشعبي الاردني الهادف لردع اسرائيل وخلع انيابها واظافرها. فالاسلامُ السياسي وباءٌ كالجدري والكوليرا وامراض الكبد الوبائي. الشعبُ الاردنيُ لديه ايمانه بربه وعقيدته الانسانية الخالصة من الشوائب والشبهات والتي تعطيه قوة اقوى من سلاح الجو الاسرائيلي. ولنا في في افغانستان التي هزمت امريكا التي تزود اسرائيل بالسلاح دليلٌ مبين.
على الحكومة اذا كانت معنية باستمرار وجود الاردنِ كدولةٍ انْ تقنعَ اسرائيل، اقول تقنع اسرائيل بالمشاهدة وليس بالخطابات، أنه سينتظرهم مليون اردني واردنية وليس عشرين الفا . مليون اردني واردنية يحبون الحياة. ولأنهم يحبون الحياة، فإنهم مستعدون للتضحية بما يحبون، من اجل تحقيق ما يحبون، وهو هزيمة، اسرائيل هزيمةً ماحقة. وأنَّ الاردنيين الصامدين في الشرق والذين سيتقدمون تجاه الغرب هم من سيمرغون انف عناترة اسرائيل وزعرانها بالتراب.
الدرسُ واضحٌ لمن يُحب ان يتعلم: لحد الان اقتصرت جغرافية الاذى الصهيوني على فلسطين. لكن جغرافية اذى الاسلام السياسي تمتدُ من الجزائر الى ليبيا الى السودان الى تونس الى سوريا الى العراق الى ايران الى باكستان وكادت مصر وكاد الاردن أن لا يسلمَ من اذاه.