ملحمة الشيخ شداد والملك عمران ملك الجان…الجزء الثالث

8 أكتوبر 2021
ملحمة الشيخ شداد والملك عمران ملك الجان…الجزء الثالث

البرفسور محمد الفرجات

وفي الصباح أفاق الظهير القعيد على روائح كالبخور غريبة ولكنها زكية جدا وتنشي فتتغلغل إلى الداخل بشكل غريب، وفتح عينيه ليرجع ويغمضها ويفتح ويغمض غير مصدق، هل ما يشاهد حقيقة أم خيال؟ فنظر حوله ليجد نفسه على سرير ضخم وثير، سيقانه أعمدة ذهب ضخمة طويلة مرصعة بالألماس والجواهر، وفراشه محشو بريش النعام، وأغطيته من الحرير الخالص،،، والسرير في غرفة كبيرة الحجم واسعة، جدرانها من طوب من الذهب، وفيها في كل زاوية تمثال ذهبي مرصع بالجواهر، فيه عيون تناظر حركاته…
فأخذ قلبه يخفق بسرعة، وصار يتصبب عرقا لما تذكر ما حصل معه بالأمس وما كان من أمر المرأة والطفل الذي خطفه الذئب، فلقد أدرك أنه وبلا ريب في ضيافتها.

حاول القعيد التسلل والهروب من هذه الورطة، والتي فكر بأنه لا محالة واقع فيها إن بقي، فتحرك يريد النهوض، فصرخ صرخة مدوية من شدة الإلم، فظهره ما زال مصابا من وقعته السابقة، ففتح باب عظيم كبوابات القلاع ببطيء مع صوت هدير لا مثيل له، وأعتمت الغرفة قليلا، وزاد الحر بشكل ملحوظ، فنادى صوت جهور “مولاي جلالة الملك عمران، ملك البحار والديار والصحارى والكثبان، يشرف المكان،،، فقرع ناقوس كالجرس صوته يطن بداخل الرأس، ثم دخل رجل مهيب طويل ضخم المنكبين عظيم الأطراف والرأس والصدر، كثيف اللحية يكسوها الشيب، أحمر الوجه وقور ذو خطوات بطيئة، يسير بثقة ويلبس الحرير الأحمر المرصع بالجواهر، وعلى رأسه تاج يلمع ، ويسير خلفه عشرة من الحرس المهيب المخيف من الجنود المدججين بالسيوف والرماح، ويتبعهم نساء لا يضاهيهن نساء في الحسن والجمال، يلبسن الحرير ويحملن المباخر وتفوح منها أزكى وأطيب الروائح.

وإقترب الملك عمران شيئا فشيئا من القعيد حتى وصل بجانب السرير، وأخذ ينظر بالقعيد والقعيد ينظر فيه، ثم قال الملك: “أهلا بالفارس الشجاع، عليك الأمان في مملكة عمران”…

إلتجم القعيد، فلم يعرف بماذا يجيب، هل هذا حلم أم علم؟ ثم جمع شجاعته وهو فارس وكبير قبيلة لا يشق لها غبار، فقال “أهلا بالملك عمران، إنس أنت ولا جان؟”

فعم الصمت والسكون، ثم تصاعدت ألسنة اللهب من أكتاف الملك، ونظر عميقا بصاحب السؤال وقال” بيننا وبينكم أيها الشيخ الفارس سبعون حجاب لكي لا ترونا، ولكن إرادة الله تعالى سخرت وهيئت أمرا ما، فها أنت ترى الجان في مملكتهم، وتحل ضيفا عزيزا عليهم”…
وفجأة دخلت الأميرة أم حمران تحمل طفلها حمران، وأنشدت:
جظ مني وليدي حمران ما أملك غيره وأنا بنت أبوي مالك بحار وديار وصحارى وكثبان،،، جظ مني وليدي واللي رمى الذيب تراه يملك القلب وكنوز أبوي وسلطان إبني حمران،،،

سرح الشيخ القعيد وتولدت لديه عشرات الأسئلة، ثم تحرك فصرخ من شدة الألم، وقالت الأميرة أم حمران لوالدها الملك “يابوي وغلاة حفيدك حمران تكرم ضيفك الإنسي وتكويه بنارك”، فإستغرب وإرتاب الشيخ لطلبها فكيف يكرمه بكوي النار؟

وفجأة أومأ الملك لجنوده، فأحضروا له موقد عظيم كالمنقل أو الكانون، مليء بالجمر الملتهب، وفيه محماس نحاسي،،، وجلس الملك بجانب الشيخ وقلبه على بطنه، وكشف عن ظهره، وأخذ يتتبع فقرات العمود الفقري يلامسها والشيخ صامت والخوف يعتصر قلبه، وعندما لامس الملك الفقرة المصابة صرخ الشيخ وإغشي عليه، فتناول الملك محماسه من الموقد ولسع مكان الفقرة، ومسح على وجه الشيخ، ففاق من غشوته، وصاح به الملك “إنهض!” فحاول ذلك متخوفا من الألم، ولكنه لم يشعر بشيء، فنهض واقفا كالحصان، ونزل عن السرير، ومشى بلا خوف ولا رهبة بين الحرس وحول الملك والأميرة أم حمران، وأخذ يبكي وينحب من الفرح، “أنا أمشي أنا حر أنا طليق، أنا مش قعيد، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد”…

وبعد هذا الشفاء شعر الشيخ بأنه في أمان، وأنه يجب أن يحسن دوره كشيخ لقبيلة كبيرة وفارس إذ يحل ضيفا على ملك من العالم الآخر، فشد من أزره، ووقف بكبرياء وهيبة الفارس، وشكر الملك عمران.

وأعطى الملك عمران أوامره لقائد التشريفات بتقديم ما يليق بالضيف من هندام وملابس وتجهيزات فارس، وساقه للحمام، وجهزهه وألبسه تماما وكأنه بين قبيلته شيخا موقرا، ووشحهه بسيف ذهبي قاطع.

خرج المعزب وضيفه بعد أن جهز، وساروا بموكب مهيب يتبعهم الحرس والوصيفات بمباخرهن، والأميرة أم حمران تسير بجانب والدها الملك، حتى وصلوا مجلس الملك وعرشه، وإذا هي صالة واسعة جدا ورحبة أعمدتها مرمر وجدرانها ذهب في قصر كبير لا مثيل له، ووزراء وأعيان مملكة الجان يصطفون على اليمين وعلى اليسار ينحنون للملك عمران، والذي إعتلى عرشه، وقاد قائد التشريفات الضيف إلى يمين الملك، وجلس الجميع بعد أن جلس الملك.

ثم وقف الملك، وخطب في أعيان وأركان مملكته “بالأمس تعدى عدونا الذئب على أميرتنا وخطف طفلها وملككم القادم الأمير حمران، وضيفنا الشيخ فارس إنسي من بني آدم أردى الذئب وحرر الأمير، وضيفنا عزيز وعلي أنا الملك عمران ألبي لضيفنا ثلاث مطالب، من مال وسلطان وجاه، إلا العمر ما إلنا عليه سلطان”….

وفجأة دخل الخدم بأشكالهم العجيبة، يحملون أطيب أصناف الطعام والشراب والفاكهة، ومدوا الموائد وجلس الضيف بجانب الملك وعلى جانبه الآخر الأميرة أم حمران، وأكلوا وشربوا مما لذ وطاب، ثم إستأذن الملك ضيفه، وقال له” إلك علي ثلاث طلبات بأي زمان ومكان كل طلب ريشة بتحرقها وبظهرلك، والآن لازم تسمحلنا بالإنصراف، زودناك بحصان عظيم، وبكرة الصبح بتصحى وبتلاقي نفسك نايم وحصانك معك بنفس المكان اللي أرديت فيه الذئب”…

أغشي على الشيخ، وفي الصباح إستيقظ على صوت الطيور تشرب من النبع، ووقف غير مصدق ما حدث بالأمس، ونظر حوله ليجد الحصان هدية ملك الجان، ولباسه وسيفه الذهبي القاطع، وفي جيبه ثلاث ريشات فعلا….

يتبع الجزء الرابع