د. محمد الطراونة – الخبير الاكتواري
المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي
للأسف يكثر الحديث في هذه الأيام عن تعديل قانون الضمان الاجتماعي وخاصة ما يتعلق بشؤون التقاعد المبكر، وكأننا صحونا من سبات عميق لنكتشف أن التقاعد المبكر هو سبب المشاكل التي تعاني منها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي. لقد سئلت من عشرات المتخصصين والمهتمين في شؤون الضمان الاجتماعي عن رأيي في تعديل القانون بصفتي خبير الدراسات الاكتوارية في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي (الدراسات الاكتوارية لمن لا يعلم ماهيتها هي الدراسات التي تعنى بسلامة وديمومة مؤسسات الضمان الاجتماعي على المديين المتوسط والبعيد، 30-90 عام في المستقبل، لتتمكن هذه المؤسسات من دفع الرواتب التقاعدية وباقي المنافع لمستحقيها ومنع إفلاسها لا قدر الله). وأؤكد أن رأيي هذا هو رأي فني علمي بحت أرجو أن يكون نافعاً ويخدم المصلحة العامة.
باختصار شديد فإن رأيي هو عدم التعديل على قانون الضمان الاجتماعي في الوقت الراهن لأسباب عديدة أوجزها في الفقرات التالية.
لقد قامت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي بتعديل القانون قبل عام ونصف فقط، وذلك بموجب القانون رقم (24) لسنة 2019 والذي جاء معدلا للقانون السابق رقم (1) لسنة 2014. إذا ما الداعي لتعديل قانون لم يمر على صدوره سوى عام ونصف فقط؟ مع العلم أن القانون المعدل (2019) قد جاء بحجة الحد من التقاعد المبكر، وهو نفس السبب الذي نتحدث عنه اليوم لتعديل القانون مرة أخرى. هذا الأمر يقودنا إلى عدد من التساؤلات المهمة التي يجب الإجابة عليها قبل إجراء أي تعديلات مستقبلية على قانون الضمان:
هل مسوغ التعديل على القانون هو بسبب دراسة البنك الدولي الذي أشار فيها مؤخرا إلى أن التعديلات الواردة في القانون المعدل (2019) لا تعالج الكثير من التحديات التي تواجهها المؤسسة، كما أن أثرها على ديمومة المؤسسة بسيط جدا؟ إذا كان هذا هو المسوغ الذي يدفع المؤسسة لتعديل القانون مرة أخرى، فذلك يعني أن القانون المعدل (2019) قد صدر بدون دراسات اكتوارية معمقة تقيس أثر التعديلات المقترحة فيه قبل إقراره. هذا بدوره يقودنا إلى تساؤلين مهمين: (أ) لماذا أصدرت المؤسسة القانون المعدل (2019) بدون دراسات اكتوارية مسبقة مما يضطرها الآن لتعديل القانون مرة أخرى؟ (ب) وهل لدينا الآن دراسات اكتوارية مسبقة للتعديلات التي تنوي المؤسسة إدخالها مستقبلا على قانون (2019)؟ بمعنى آخر هل لدينا دراسات تضمن عدم تكرار الخطأ مرة أخرى، وتضمن نجاعة وفاعلية التعديلات المنوي إدخالها على القانون؟
هل مسوغ التعديل على القانون هو المحافظة على الديمومة المالية للمؤسسة من خلال التعديل على شروط وآلية احتساب التقاعد المبكر (بحجة أن التقاعد المبكر هو الخطر الأعظم على المؤسسة)؟ وهل هذا الأمر كافٍ لوضع المؤسسة على المسار الصحيح لتتمكن من الوفاء بالتزاماتها تجاه جمهور المتقاعدين والمنتفعين لسنوات طويلة في المستقبل؟ حسب دراسة البنك الدولي الأخيرة فإن المؤسسة تواجه العديد من التحديات، ولا يقتصر الأمر على التقاعد المبكر فقط. إذا لماذا الاستعجال في تعديل القانون ما دامت التحديات أكبر بكثير من موضوع التقاعد المبكر؟ ولماذا لا يتم دراسة كل هذه التحديات ومعالجتها في تعديل شامل ومدروس ومتأني للقانون؟
ماذا عن الشخوص الذين أخرجوا القانون المعدل (2019)؟ هل هم نفس الشخوص الذين سيقومون بتعديل القانون مرة أخرى؟ هل يعقل أن يكون القانون حقل تجارب لبعض كبار موظفي المؤسسة الذين يعتقدون أنهم خبراء في هذا المجال؟ بمعنى آخر، إذا كان هناك أخطاء وقصور في القانون المعدل (2019) فهل سيتم معالجتها بنفس الأيادي ونفس الشخوص؟
ماذا عن حبل الثقة بين المواطنين (مشتركين ومنتفعين ومتقاعدين) والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي؟ ما هي الرسالة التي تبثها المؤسسة عندما تقوم بتعديل قانونها كل عام أو عامين؟ إن القوانين المدروسة على أسس علمية وفنية تستمر لسنوات طويلة بدون الحاجة إلى تعديل، وهي ذات القوانين التي تعزز الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.
بناءً على ما تقدم أعلاه، فإنني أتمنى على معالي وزير العمل رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، ومجلس إدارتها الموقر، والإدارة التنفيذية فيها، صرف النظر عن تعديل قانون الضمان الاجتماعي في الوقت الراهن ولحين دراسة كل التحديات التي تواجهها المؤسسة ومعالجتها في تعديل شامل ومدروس ومتأني.