وطنا اليوم:تتصدر أكلة “الفلافل” هذه الأيام قائمة خيارات الطعام لدى كثير من اللبنانيين، نظراً لانخفاض سعرها مقارنة بأسعار اللحوم، التي شهدت مؤخراً ارتفاعاً غير مسبوق، تزامناً مع ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية في البلاد.
هذا الواقع جعل معظم مطاعم اللحوم شبه خالية، فيما تعجّ محلات بيع “الفلافل” بالزبائن، في مشهد يعكس واحدة من تبدلات كثيرة، طرأت على أسلوب حياة اللبنانيين، جراء الأزمة الاقتصادية.
فخلافاً للأكلات اللبنانية التقليدية، التي تدخل في معظمها اللحوم كالكبة والكفتة وغيرها، فإن الفلافل مصنوعة من الحمص والفول، وسعرها منخفض، ما جعلها “سلاحاً فعالاً” بوجه الجوع الذي يهدد فقراء لبنان.
تقدر الحكومة اللبنانية بأن 80% من الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر، وتعتزم قريباً منحهم مساعدة مالية شهرياً، لشراء حاجاتهم الغذائية وغيرها، من خلال مشروع “بطاقة تمويلية”، لكن ذلك ينتظر موافقة البرلمان.
الشاورما تخسر الصدارة
الفلافل تصنع على شكل أقراص يتم قليها بالزيت، وعادةً ما تقدم مع الخبز والخضراوات والطحينة، وهو طعام تقليدي واسع الانتشار في مطبخ الشرق الأوسط، خاصة في بلاد الشام ومصر.
حتى وقت قريب، كانت “الشاورما” الأكلة الشعبية الأولى في لبنان، إلا أن غلاء لحوم الأبقار والدجاج التي تدخل في إعدادها، جعلها تتراجع أمام قرص الفلافل وخصائصه “الاقتصادية” والغذائية معاً.
ارتفعت أسعار اللحوم في لبنان بنحو 6 أضعاف، حيث أصبح سعر كيلوغرام لحم البقر حوالي 120 ألف ليرة، والغنم نحو 160 ألف ليرة، أما لحم الدجاج فأصبح سعر الكيلوغرام منه نحو 50 ألف ليرة بعدما كان 12 ألف ليرة قبيل الأزمة.
سعر الفلافل بمتناول الجميع
وعلى الرغم من أن الفلافل هي في الأصل أكلة شهيرة في لبنان، لكنها اليوم تنقذ العديد من الأسر والأشخاص من الجوع في ظل الوضع الاقتصادي الراهن؛ نظراً لسعرها الذي هو بمتناول الجميع مقارنة مع السلع والأطعمة الغذائية الأخرى، بحسب عواد.
من أمام أحد محال بيع الفلافل في بيروت، يقول باسم عواد إن سعر السندويش الواحد من شاورما اللحم يعادل سعر 4 سندويشات من الفلافل، وهذه المقارنة كفيلة لمعرفة سبب الإقبال الكثيف على هذه الأكلة.
لفت الرجل إلى أن سندويش فلافل بسعر 6000 آلاف ليرة (0.4 دولار وفق سعر الصرف الدولار بالسوق الموازية البالغ حالياً نحو 15 ألف ليرة لبنانية) يشكل لكثيرين وجبة طعام شهية ومغذية، تعوضهم عن اللحوم والدجاج.
من جانبه، قال محمود خليفة، مدير مطعم “فلافل خليفة” في منطقة البسطة في بيروت، إن الإقبال على شراء الفلافل زاد بشكل كبير في الفترة الأخيرة، ولم يشهد له مثيل منذ تسعينيات القرن العشرين.
أوضح خليفة كذلك أن كيلوغرام لحم البقر يبلغ سعره نحو 120 ألف ليرة، وبالكاد يكفي عائلة مؤلفة من 4 أشخاص، أما الفلافل فيبلغ سعر الدزينة (12 قرصاً) مع الخضار والطحينة 18 ألف ليرة، وهذه الكمية تكفي عدد الأشخاص ذاته.
إلى جانب سعرها المنخفض، تحتوي الفلافل على البروتين الذي يحتاجه الإنسان في غذائه، وهو بروتين نباتي يمكن أن يعوض عن بروتين اللحوم والدجاج الذي صار بعيد المنال
الفلافل تثير إعجاب الأجانب
إلى جانب اللبنانيين، وجد الأجانب المقيمين في لبنان في الفلافل أكلة مميزة لا تتكرر في بلادهم، بحسب ما قالت كلووي ديا، وهي طالبة إيطالية تدرس في إحدى الجامعات الخاصة بلبنان.
أضافت كلووي، المقيمة في بيروت منذ 3 أشهر، أنها تحب الفلافل اللبنانية لأن طعمها لذيذ جداً ويختلف عن تلك التي تذوقتها في فرنسا أثناء إقامتها هناك سابقاً، وأشارت إلى أن الفلافل في لبنان تتميز بطعم البهارات الزكية، ولونها الذهبي ومذاقها المقرمش والسلس، وهذه الميزات لا نجدها بالفلافل التي تباع في أوروبا.
لفتت كلووي أيضاً إلى أنها تحب المكونات الأخرى التي تقدم مع الفلافل كالطحينة والخضار وغيرها، وهي تتردد دائماً إلى مطعم الفلافل كونه قريب من مكان سكنها في بيروت.
أزمة خانقة
ومنذ أكثر من عام ونصف العام، تعصف بلبنان أزمة اقتصادية حادة هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، أدت إلى تضخم مالي وتراجع كبير في القدرة الشرائية لمعظم السكان، وارتفاع قياسي بمعدلات الفقر.
تسببت الأزمة بتدهور قيمة العملة المحلية مقابل الدولار من 1507 ليرات إلى 15 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد، ما انعكس ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع المستوردة، لا سيما المواد الغذائية منها، والتي يستورد لبنان 85% من حاجته إليها.
ما يزيد حدة أزمة لبنان الاقتصادية أيضاً، خلافات سياسية بين المسؤولين تحول دون تأليف حكومة تخلف حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب التي استقالت بعد أيام قليلة على انفجار مرفأ بيروت الكارثي في 4 أغسطس/آب الماضي، والذي أسفر عن سقوط أكثر من 200 قتيل و4000 جريح.