العميد م. صالح الشرّاب العبادي
في حدود تأريخ المئوية الاولى تمر سنوياً محطات مضيئة وتواريخ لا تنسى يحتفل بها سنوياً وتقدم خلالها التهاني والتبريكات وتقام الاحتفالات في شتى اركان الوطن ، ولكن وبكل شفافية وصراحة فان الناظر خلال الفترة الاخيرة من عمر المئوية الاولى وبداية المئوية الثانية ، فان الاهتمام الشعبي بهذه المناسبات اصبحت ليست ذي اهتمام واصبحت تمر مرور الكرام ويتم الاحتفال بها من طرف واحد الا وهي الدولة باركانها كلاً حسب اختصاصه وصلته بالمناسبة ، واصبح الشعب ينأى بنفسه منشغلاً ، مشغولاً ، او ناسياً او متناسياً هذه المناسبات السنوية التي كان الشعب في السابق والجميع يشهد ذلك ، كان يهب من تلقاء نفسه وفزعة وطنية وعفوية للمشاركة بها او اقامة الاحتفالات او ابداع الاعمال وخلق انتاجات متصلة بالمناسبة معنوية وعملية .
وكذلك فان هذه المناسبات الوطنية التي تعتبر تواريخ مهمة ومعالم وقتية سنوية حدثت في عمر هذا الوطن العزيز ، كانت تنبش قشور افكار الأردنيين لتعود بهم الذاكرة الى الامجاد والتضحيات ويستلهموا من تلك الاحداث المشرفه العبر والدروس لتعطيهم دفعة قوية نحو مستقبل افضل…
لكن للاسف الشديد ما يراه الاردنيون من تراخي وعدم جدية في محاربة الفساد بشكل حقيقي وعدم وجود بصيص امل للاصلاح المنشود وازدياد اسباب الاحباط وضنك العيش وارتفاع نسب البطالة بشكل مخيف وتسارع في انهيار الطبقة الوسطى .. وازدياد في شريحة الفقراء .. عدا عن ارتفاع الدين على الاردن والذي لا علاقة للشعب فيه … وارتفاع اسعار الحاجات الاساسية بشكل مهول .. علاوة عن تزوير ارادة الشعب في الانتخابات ، والتمسك بقوانين انتخابية مزاجية تتولد نتيجة اراء واقتراحات ضيقة الافق وفقاً لاتجاهات معينة حسب اراء وافكار خيالية لا معنى لها من اصحاب القرار ، او من واضعي القوانين .. حتى بات السكون التشريعي صعب المنال … عدا عن ما يراه الشعب من وجود طبقة واحدة عالية مستعلية تنثر انواع الملذات والرفاه .. في وقت اصبح الحصول على رغيف الخبز صعب المنال …ووقف تعيينات البرشوت والتوزيع العادل للخدمات ، كل ذلك وغيرها من المسببات خلقت احباطات تلو الاحباطات .. لدى الشعب ، وجعلت منه غير ذي مهتم أو آبه لما يطرق مسامعهم من وعود بالاصلاح او تحسين الحياة المعيشية الفضلى التي لطالما تم المناداة بها .. وبالتالي اصبح الشعب .. يعلم ان كل الوعود .. ما هي الا عبارة عن وعود .. وستبقى وعود ..
قام جلالة الملك حفظه الله بتقديم الاوراق النقاشية ورقة تلو الاخرى وفي كل ورقة خارطة طريق لمشروع اصلاحي معين ، هب القياديون والمسؤولين واصحاب القرار فكاً وتمحيصاً وتحليلاً ومناقشةً .. لكل ورقة .. وما ان غابت الشمس .. وتلاشت الهبة ..تم طيها وطي الافكار وطي التحليلات ونتائج المناقشات .. لتخبوا كل انواع التطبيق ..ولم نعد نسمع الى الاسماء فقط على السنة المفكرين والمحاضرين والمحاورين والمناقشين .. اصبحت عناوين محاظرات وشعار افتتاحيات وخلاصة افكار ومادة مناقشة اذا ما اسعفتهم افكارهم وعجزوا عن التطبيق العملي ..والتنفيذ الحقيقي لها .
قبل شهر وجه جلالة الملك الى البدء بعمليات الاصلاح ، وكما دائماً يوجه الى ذلك ، فانبرى بعض المسؤولين الى تولي زمام المبادرة تارة باللقاءات او الاطروحات وتارة بالمقالات او المحاظرات والندوات ..
فما كان من جلالة الملك.. الا ان وجه وقال الاصلاح ليس شعارات وليس عناوين .. فقام جلالته بتشكيل لجنة هدفها العمل واستخراج وتطوير قوانين او البناء على القوانين الموجودة ، قوانين حديثة انتخابية وحزبية وادارية واجتماعية ، تتوافق مع الحداثة والتطور يتوافق عليها الجميع .. ينتهي العمل بها في بداية الدورة العادية لمجلس النواب والتي ستقدم له في بداية هذه الدورة .. وفي هذا الصدد اقول ..
على الدولة الان وقبل كل شيء تجسير الهوة الواسعة العميقة ما بين الشعب والقائمين على مفاصل الدولة .. لما شاب هذه العلاقة من عوائق كبرى وفقدان الشعب بشكل كبير الثقة بالحكومات المتعاقبة .. وكذلك فقدان الثقة بين الشعب والسلطات الاخرى وعدم وجود دافع حقيقي للشعب ان يعيد هذه الثقة باي حكومة .. اذا لم يلمس الشعب الاردني النتائج الحقيقية والتي توثر بشكل ايجابي على معيشته وحياته ..وتنعكس كل ايجابيات الاصلاح مهما كان على رفاهه وكريم حياته وسبل العيش الكريم .
وهنا يقع على عاتق هذه اللجنة مسئولية عظيمة وجسيمة وستكون نتائج ومخرجات هذه اللجنة الملكية خارطة طريق اصلاحي واضح وصريح وذو فاعلية .. وهذا يحتاج الى العمل المضني ليل نهار والعمل على دراسة التغذية الراجعة كل يوم بيومه ، والتحديث والتطوير والتعديل والمناقشة والمصارحة والشفافية ..بدون تراجع .. غير ذلك فانه لاسمح الله اذا كانت مخرجات ونتائج ما تم الطلب من خلال كتاب التكليف السامي ضعيف وهزيل ولا يلبي متطلبات المرحلة .. فان ذلك سيكون الخط الفاصل والطلاق البائن بينونة كبرى ما بين الشعب والسلطات الثلاث وما بين الشعب والقائمين على الدولة ..
الكرة الان في ملعب اللجنة الملكية المشكلة لهذه الغاية وهو اختبار حقيقي لرئيسها ولكل واحد من اعضاءها وتشكيل هذه اللجنة في ظل هذه الظروف ليس ترفاً وليس مكاسب واستحقاقات .. وانما هو اول عمل اصلاحي حقيقي سيذكره التاريخ بناءا على مخرجاته ونتائجه في بداية مئوية الدولة الاردنية الثانية ..وغير ذلك فان كل المطالبة بعمليات بالاصلاح بشتى انواعه ستبقى حبراً على ورق .. لتستمر وتتسع الهوة اكثر واكثر ما بين الشعب والحكومات واصحاب القرار .. والبقاء في زاوية المربع الاول .. ليبقى الشعب في واد .. والحكومات السابقة واللاحقة في وادِ اخر.
عضو مجلس محافظة العاصمة