بقلم: العميد المتقاعد أمن عام: زهدي جانبك
لقد بيَّنتُ في مقالاتي السابقة خطورة ظاهرة الإتاوات والخاوات على المجتمع والوطن، وأمطتُ اللثام عن نماذجَ من أساليب عمل تلك الفئة التي اتخذت فرض الإتاوات مهنة لها فأخذت تفرضُ كُرهاً على الأشخاص دفع مبالغ مالية أو عينية كدليلِ خُضوعٍ أو كثمن حماية أو لاستثمارهم لتهديد أشخاص عليهم مطالبات مالية وما غير ذلك.كما كنتُ تطرقتُ إلى الحملات الأمنية المتكررة التي تم تنفيذها ضدهم في الأعوام السابقة ولم تؤدِّ بشكلٍ حاسمٍ إلى وقف سلوكياتهم الطائشة وممارساتهم الهمجية المُروِّعة غير المسؤولة.
وأجيء بمقالي هذا لأطرح مجموعة من الحُلول مُبتدئاً بالحديث عن الإجراءات الاحترازية التي يمكن تطبيقها بحق الجناة في مثل هذه الجرائم وفقاً للفصل الثاني من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 الذي ينص في المادة الثامنة والعشرين منه على ما يلي:
الفصل الثاني،التدابيرالاحترازية بصورة عامة
المادة ٢٨-التدابیر الاحترازية
التدابیر الاحترازیة هي:
١ -المانعة للحریة.
٢ -المصادرة العینیة.
٣ -الكفالة الاحتیاطیة.
٤ -إقفال المحل.
٥ -وقف هیئة معنویة عن العمل أو حلها.
لقد كنتُ تطرقتُ سابقاً إلى أن الهدف من أي إجراءٍ يجب أن يتضمن جعل الجريمة غير مربحة في الشق المادي وفي الشق المعنوي بما في ذلك رفع التكلِفة الإجرامية على الجناة،كذلك طالبت بتطبيق إجراء المصادرة كما هو منصوص عليه في القانون بحيث يتم تجريد الجناة من الغطاء الاقتصادي الذي يُمكِّنُهم من الانفاق على مرتكبي فعل فرض الخاوات من جهة، ويساعدهم من جهة أخرى على إقناع المحتاجين والمُعْوِزبن،بطُرُقٍ ذكيةٍ،للاعتراف بارتكاب جرائم ارتكبها غيرهم مقابل رواتب شهرية تدفع لهم أثناء وجودهم بالسجن، بالإضافة إلى تأمين حاجات عائلاتهم المالية بطريقة سريَّة.
وأرى في مقالي هذا أهمية في تناول موضوع الكفالة الاحتياطية كأحد الإجراءات الاحترازية التي يمكن تطبيقها للحد من ارتكاب جريمة فرض الإتاوات والخاوات مُنطلِقاً في البدءِ ومنعاً لِلَّبْسِ من ضرورة بيانِ الفرق بينالكفالة التي يفرضها الحاكم الإداري بموجب قانون منع الجرائم رقم 7 لعام 1954 وبين الكفالة الاحتياطية المنصوص عليها في المواد من 32 إلى 34 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لعام 1960:
المادة ٣٢-
الكفالة الاحتیاطیة:
١ -الكفالة الاحتیاطیة، هي إيداع مبلغ من المال أو سنداتٍعُموميةٍ أو تقدیم كفیل مليء أو عقد تأمین ضماناً لحسن سلوك المحكوم علیه أو تلافیاً لأیة جریمة.
٢ -یجوز أن تفرض الكفالة لسنة على الأقل ولثلاث سنوات على الأكثر ما لم یتضمن القانون نصاً خاصاً.
٣ -تُعيِّن المحكمة في الحكم مقدار المبلغ الواجب إیداعه أو مقدار المبلغ الذي یجب أن یضمنه عقد التأمین أو الكفیل على أن لا ینقص عن خمسة دنانیر أو یزید على مائتي دینار.
المادة ٣٣-حالات جواز فرض الكفالة الاحتیاطیة
یجوز فرض الكفالة الاحتیاطیة:
١ -في حالة الحكم من أجل تهدید أو تهویل.
٢ -في حالة الحكم من أجل تحریض على جنایة لم تفض إلى نتیجة.
٣ -إذا كان ثمة مجال للخوف من أن یعود المحكوم علیه إلى إیذاء المجني علیه أو أحد أفراد أسرته أو الإضرار بأموالهم.
وأشير هنا الى أنني لم أطَّلِع على أيّ حكم قضائي جنائي يحكم بفرض الكفالة الاحتياطية على الجاني، ولم أشاهد وخلال خمسةٍ وثلاثين عاماً من العمل الأمنِيّ والشُّرَطِي أية حالةٍ تم فيها تسييل الكفالة الاحتياطية ومطالبة الجاني بتسديدها.
وربما يَحتَجُّ البعض أن الكفالات يتم فرضها من قبل الحاكم الإداري بموجب قانون منع الجرائم،غيرَ أنّ هذا مَا لا نراه ولا نرغبُ فيه لِسببين إثنَين:
السبب الأول:أنَّ مدة الكفالة بموجب قانون منع الجرائم لا تزيد عن سنة واحدة عملاً بالمادة الثالثة من هذا القانون وتنصّ:
إذا اتصل لِعِلم المتصرف أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بوجود شخص في منطقة اختصاصه ينتسب إلى أيّ صنف من الأصناف المذكورة أدناه ورأى أن هنالك أسباباً كافية لاتخاذ الإجراءات فيجوز له أن يصدر إلى الشخص المذكور مذكرة حضور بالصيغة المدرجة في الذيل الأول لهذا القانون، يكلفه فيها بالحضور أمامه ليبين ما إذا كان لديه أسباب تمنع من ربطه بتعهد، إما بكفالة كفلاء وإما بدون ذلك، حسب الصيغة المدرجة في الذيل الثاني لهذا القانون يتعهد فيه بأن يكون حسن السيرة خلال المدة التي يستصوب المتصرف تحديدها على أن لا تتجاوز سنة واحدة.
والسبب الثاني:ان قانون منع الجرائم قانون خلافي يُثيرُ انتقاداً شديداً من قبل جهات داخلية وخارجية، ولذلك أود الإبتعاد عن الاعتماد عليه، وزيادة الاعتماد على القضاء والأحكام القضائية.
إنَّ المشكلة التي نواجهها حين الاعتماد على الأحكام القضائية في هذا المجال تتمثل في انخفاض قيمة الكفالة الاحتياطية التي يمكن الحكم بها حيث تتراوح بنص القانون ما بين خمسة دنانير ولغاية مائتي دينار في حدها الأعلى، وهذا مبلغ بسيط جداً مقارنة بما يحققه فارض الاتاوات من مبالغ خيالية نتيجة إرهابه لبعض أفراد المجتمع.
ولأن الحكومات السابقة ترددت وربما بشكلٍ لافتٍ في طرح مشاريع لتعديل قانون منع الجرائم خوفاً من أن يشمل التعديل تحديد صلاحيات الحكام الاداريين، فيصبح من الأسهل إذاً الطلب من السُّلطتين التشريعية والتنفيذية العمل على تعديل الإجراءات الاحترازية المتعلقة بالكفالة لتصبح عشرة آلاف دينار بحدها الأدنى، وغير محددة بحدٍ أعلى بحيث يُترك الحد الأعلى ليُقدَّر من السادة القُضاة وبما يتناسب مع جسامة الجريمة المنظور فيها، والسجل الإجرامي للجاني، والوضع المالي للجاني و/ أو الكفيل.
بالإضافة إلى ذلك القيام بتعديل مدة الكفالة الاحتياطية لتصبح خمسَ سنوات يلتزم فيها الجاني بعدم ارتكاب أيّة جنحة أو جناية مهما كانت.
بهذه الطريقة، تتكامل الإجراءات الاحترازية، بحيث تضمن عملية المصادرة سحب الغطاء الاقتصادي المالي من يد الجناة فيعجزوا عن تغطية التكاليف المالية العالية المترتبة على اركاب الجريمة، ثم تأتي الكفالة الاحتياطية لتضمن تصحيح سلوك الجناة ومنعهم من العودة إلى مثل هذه الأفعال، لأن عودتهم إلى الإجرام ستكون مكلفة جداً إلى درجة يتعذرُ عليهم تحملها.
إن ظاهرة البلطجة والابتزاز وترويع الناس بفرض إتاوات وخاوات عليهم مسألةٌ ينبغي ووفاءً منا للوطن العزيز،أن نجعلها من الماضي لِما تتركه من أثار سلبية على المجتمع، بل نراها تُنَفِّر نسبةً من الناس عن محلاتهم ومشاريعهم، وتترك في الوقت نفسه صدىً سيئاً في نفوس مَن يتطلعون إلى زيارة بلدنا للسياحة والتجوال في مناطقه واحيائه المختلفة.