وطنا اليوم – حظيت المسلسلات التركيّة بحصة الأسد على الفضائيات اللبنانية في شهر رمضان من هذا العام في إشارة واضحة إلى أن الثقافة التركية تخترق المجتمع اللبناني بشكل متزايد، في ظلّ أعمال محليّة وعربيّة مشتركة خجولة بسبب كلفتها الضخمة وسط أزمة الدولار في لبنان، ناهيك عن تدابير جائحة كورونا التي عطّلت تصوير الكثير من الأعمال.
ويقول نقاد إن تركيا تستفيد من ظاهرة المسلسلات الطويلة التي تعرض على أجزاء وتجذب المشاهدين وتجعلهم ينتظرون الأجزاء الموالية، ما حوّلها إلى مطلب من الجمهور بدل اكتشاف مسلسلات جديدة، مشيرين إلى أن الجمهور ميال بطبعه لمشاهدة الأعمال التي تكون لديه عنها فكرة مسبقة أو تلك التي ينتظر ليعرف من خلالها مصير الأبطال الذين تابعهم في أجزاء سابقة.
ويشير النقاد إلى أن الجمهور اللبناني الذي كان في السابق يتهيأ لمتابعة المسلسلات الجديدة، محلية أو مصرية أو سورية، صار ميالا في السنوات الأخيرة إلى القنوات التي تستكمل مسلسلات تركية طويلة أو تعرض أجزاء جديدة من مسلسلات بدأت من قبل.
واستحوذت فضائيّة “الجديد” المحليّة على مسلسلين تركيين، الأوّل مسلسل “حلو ومرّ” والآخر “الحب لا يفهم الكلام” المستمر عرضه منذ بضعة أشهر.
أمّا منافستها فضائيّة “أل ب سي”، فقرّرت عرض مسلسل “عشق ودموع” في جزئه الثاني، كما أنّها ما زالت تبث حلقات مسلسل “ابنة السفير”.
من جانبها دخلت فضائيّة “أم تي في” المنافسة الرمضانيّة من خلال المسلسل الكوميدي التركي “الحبّ ورطة”، واستمرت في عرض مسلسل “مرارة الحب”.
ويحذّر النقاد من سيطرة المسلسلات التركية وتأثيرها على المجتمع اللبناني خاصة لتزامنها مع خطط سياسية لدخول لبنان والتأثير فيه وخطر تحريكها لحساسيات تاريخية بين اللبنانيين واستدعاء الخلاف التاريخي بين الأرمن والتركمان.
وباتت المسلسلات التركية بمثابة تحدّ حقيقي للمسلسلات العربية، خاصة أنها لا تقف عند الترويج للبعد الإنساني لقصص أبطالها ولا تنافس فقط في الجانب الفني المتطور، بل يتعدى الأمر إلى الترويج لأجندة تقوم على تضخيم التاريخ العثماني وتبرير محاولات إحيائه سياسيا وعسكريا.
وعزا المخرج اللبناني إيلي حبيب سرّ الإقبال على المسلسلات التركية إلى أن القنوات المحليّة تشتريها بسعرٍ أرخص من الإنتاج اللبناني، بالإضافة إلى أن “الإنتاج التركي ضخم جدا، وحبكة المسلسلات جميلة، فضلاً عن الإخراج والممثلين أيضًا”.
ولفت المخرج اللبناني إلى أنّ “الثقافة التركيّة خرقت المجتمع اللبناني”، مشدّدًا على أنّ “اللبنانيّين باتوا يفضلون المسلسلات التركيّة على سواها بسبب مهنيّتها وحرفيّتها”.
ونالت الأعمال الدراميّة التركيّة، خلال السنوات الماضية، مكانة مهمة على الساحة اللبنانيّة مع صعود نجمها خلال عام 2009 مع المسلسل الشهير “نور ومهند”.
وأوضحت الناقدة الفنيّة زكيّة الديراني في حديث لوكالة الأناضول أن “من المبكّر الحديث عن نجاح المسلسلات الرمضانيّة أو فشلها لأن العرض لا يزال في بدايته. لذلك يجب انتظار عدّة أيام قبل أن تتّضح صورة الأعمال التي لقيت استحسان المتابعين”.
وقالت “خلال السنوات الأخيرة باتت الأعمال التركية حاضرة بقوّة في رمضان وبظاهرة لافتة”. كما أن “لها جمهورا واسعا في لبنان”.
وأضافت “نعلم جيّدًا أنّ الدراما التركيّة حاضرة على الشاشات المحليّة، حتى خارج السباق الرمضاني. ولكن الآن بات التركيز عليها لافتاً، لاسيما أنّها تحظى بنسبة مشاهدة عالية جدا، وتقريبًا هي الأولى في رمضان”.
وشدّدت الديراني على أنّ “هذا العام كان اللافت اختيار القنوات المحليّة لأكثر من مسلسل تركي في المنافسة الرمضانيّة”، معتبرةً أنّ “هذا الأمر جديد ويعطي نكهة خاصّة”.
وكانت شركة “إبسوس” (خاصة)، المتخصصة في أبحاث السوق كشفت في تقريرٍ لها عن لائحة أكثر المسلسلات مشاهدة في لبنان خلال رمضان 2020 أن مسلسلين تركيين حصدا المركزين الأول والثاني، فيما تضمنت المراتب العشر الأولى 6 مسلسلات تركيّة أيضاً.
ووفق التقرير ذاته جاء المسلسل التركي “البحر الأسود” في المركز الأول بنسبة مشاهدة بلغت 18.46 في المئة من إجمالي نسبة المشاهدين، و”حب أبيض وأسود” في المركز الثاني، وهو مسلسل تركي أيضًا بنسبة مشاهدة بلغت 18.37 في المئة من إجمالي نسبة المشاهدين.
وقال جوزيف الحسيني مدير البرامج في فضائيّة “أم تي في” إن القناة أدخلت العام الماضي المسلسلات التركية على شبكة البرامج في شهر رمضان، وكان صداها إيجابياً جداً. لذلك قرّرنا هذا العام أن نخوض السباق بأعمال تركيّة”.
يذكر أنّ المسلسلات التركيّة المدبلجة إلى العربية أطلّت على التلفزة المحليّة عام 2007 حتى أصبح اللبنانيّون من أكثر الشعوب العربية متابعة لها وإعجابًا بها.
ورأى الصحفي والناقد التلفزيوني راغب حلاوي أنّه “لا يمكن أن نخفي أن الأعمال التركيّة تفوّقت في بعض الأحيان على الأعمال العربيّة، وليس فقط على المحليّة”.
وعن نقاط قوّة الدراما التركيّة أشار حلاوي إلى أن “الاحتراف الموجود يجعلها تجذب عدداً كبيراً من المتابعين لناحية التمثيل وأماكن التصوير والأداء وحبكة القصّة التي تحمل دائمًا الجديد”.