أ. د. محمد تركي بني سلامة
كمراقب للشأن العام وناشط سياسي وأكاديمي، كان لافتاً بالنسبة لي ترتيب وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور محمد أبوقديس في تشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور بشر الخصاونة، حيث جاء ترتيبه في التشكيلة الحكومية قبل وزراء الداخلية والصحة والنقل والمياه والري والشباب والعمل والريادة والاقتصاد الرقمي وبعض وزراء الدولة. ومن هنا نلحظ تقدم وزارة التعليم العالي على وزارة الداخلية وهي المصنفة وزارة سيادية وفق التقاليد والاعراف السياسية الاردنية ، كما تقدمت على وزارة الصحة رغم اننا نعيش في ظل اجواء جائحة كورونا ، وكذلك تقدم التعليم العالي على الاقتصاد والعمل والنقل والمياه رغم الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد.
وهذا الترتيب لم يكن عبثاً، ولم يأتِ من فراغ، فهو أولاً دليل واضح على يقظة ووعي الملك عبدالله الثاني بما للتعليم من أهمية كبرى وأثر عظيم في الدولة الأردنية، فالتعليم هو رأسمال المجتمع الأردني وهو بترول الأردن الذي لن ينضب طالما أن هناك حياة على هذا الكوكب، والتعليم العالي هو تذكرة عبور أبناء وبنات الأردن إلى المستقبل الأفضل، وهذا ما أكّدت عليه الأوراق القاشية الملكية التي طرحها الملك عبدالله الثاني، وخصوصاً االورقة النقاشية السابعة التي جاءت بعنوان: بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية.
لقد تشكلت حكومة الدكتور بشر الخصاونة في حقبة صعبة يعاني فيها الأردن من تحديات جسيمة وصعوبات متعددة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وأبرزها جائحة كورونا وآثارها المدمرة على كافة مناحي الحياة والتعليم بشكل خاص، حيث عانى قطاع التعليم العالي مؤخراً من الكثير من فقدان البوصلة، وعدد من الأزمات المتلاحقة والتخبط الذي عصف به نتيجة اجتهادات خاطئة وقرارات ارتجالية غير مدروسة، وعلى أكثر من صعيد، أصبحت معها صورة التعليم العالي قاتمة، وبتنا على مشارف نعي التعليم العالي في البلاد، ويأس الكثير من الأكاديميين من الإصلاح وتحقيق العدالة والشفافية والحاكمية وغيرها من القيم الإنسانية النبيلة التي يستحيل النهوض بالإنسان والتعليم وتحقيق التنمية الإنسانية والاستقرار المجتمعي بدونها، وبالتالية أصبح التغيير على رأس وزارة التعليم العالي ضرورة وطنية ومصلحة عامة، اختيار شخصية أكاديمية من طراز معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور محمد أبوقديس لم يكن مفاجئاً للأوساط الأكاديمية، فهو أكاديمي متميز، عرفته أثناء رئاسته لجامعة اليرموك فهو رجل مثقف ومتزن، واضح ومباشر، وهو نظيف اليد واللسان، وصاحب أفق واسع ، ورؤية عميقة في التعليم العالي، جاء توليه حقيبة وزارة التعليم العالي بعد مسيرة طويلة وحافلة بالإنجازات، بدأها في جامعة العلوم والتكنولوجيا ثم وزارة التعليم العالي حيث أشغل موقع الأمين العام، ثم رئيساً لجامعة اليرموك وأخيراً رئاسة الجامعة العربية المفتوحة، وربما تكون رئاسة جامعة اليرموك المحطة الأبرز في مسيرة الرجل، حيث ترك بصمات واضحة خلال توليه رئاسة الجامعة لا يتيح المجال لذكرها في هذه المقالة، ولكن يمكن القول أن جامعة اليرموك العتيدة كانت نقطة انطلاق وفاتحة خير على عدد من الرؤساء الذين أحسنوا إدارتها، وفي مقدمتهم دولة الدكتور عدنان بدران، ومنهم أصحاب المعالي المرحوم الدكتور محمد حمدان، والدكتور مروان كمال، والدكتور فايز الخصاونة وعطوفة الدكتور سلطان أبوعرابي، واليوم يوجد في حكومة الدكتور بشر الخصاونة 6 من أعضاء الحكومة من خريجي جامعة اليرموك، إضافة إلى تولي رئاسة 3 جامعات أردنية قيادات أكاديمية من جامعة اليرموك هي جامعة الأميرة سمية وجامعة آل البيت والجامعة الهاشمية.
مرة أخرى نؤكد ثقتنا بشخص الدكتور محمد أبوقديس الذي نراهن عليه ونتفائل به خيراً، خصوصاً ونحن نراقب أدائه ونعتقد جازمين أنه بدأ مشروع اصلاحي في التعليم العالي ضمن نهج جديد ، ووفق رؤية واضحة، وهذا سيكون موضوع مقالنا القادم قريباً جداً بإذن الله.