حظي الاعتذار التي اضطرت إليه يمينية متطرفة تجاه مسجد شهير في لندن بتفاعل واسع من وسائل الإعلام البريطانية، إضافة إلى نواب في البرلمان ونشطاء بريطانيين مؤيدين لقضايا المسلمين.
وكانت الكاتبة اليمينية المتطرفة، كاتي هوبكنز، قدمت اعتذارها لمسجد فينسبري بارك، بعد نحو خمسة أشهر من مزاعم أطلقتها عبر تويتر، وربطت فيها بين اعتداء وقع على الشرطة وبين المسجد، رغم أن الحادثة وقعت على بعد شارعين من موقع المسجد. بل إن هوبكنز خضعت لطلب محامي المسجد بالإقرار بالتبرعات التي قدمها المسجد للمجتمع.
فقد سجلت كاميرات المراقبة اعتداء شبان يُعتقد أنهم من أصول عربية على ضباط شرطة في 8 أيار/ مايو الماضي، بعدما تدخلت الشرطة بسبب مشكلة هناك.
ولم تتراجع هوبكنز عن مزاعمها، رغم تعليق مسؤول شرطة المنطقة على تغريدتها وتأكيده عدم صلة المسجد بالحادثة. لكنها حذفت التغريدة لاحقا، بعدما أرسل إليها محامو المسجد ملوحين بإجراءات قانونية، وبعدما تمت إعادة التغريدة لآلاف المرات.
واستغرق نحو خمسة أشهر حتى أُجبرت على تقديم اعتذار عن تلك المزاعم، ونشرته في حسابها على إنستغرام يوم الاثنين، لأن حسابها على تويتر أُغلق نهائيا من قبل إدارة الموقع في حزيران/ يونيو الماضي، بسبب تغريدات “عنصرية بغيضة”. وسبق أن أزال الموقع العلامة الزرقاء (علامة توثيق الحساب) قبل ذلك.
من جهتها، رحبت إدارة مسجد فينسبري بارك بالاعتذار، وقالت إنها “قبلته”. وقال المسجد في بيان: “في وقت يشهد فيه مجتمعنا انقساما عميقا، وتتصاعد فيه الكراهية والشك والخوف لأسباب عديدة، فإن مسجد فسنبري يود تذكير الجميع بمسؤوليتنا الشخصية والجماعية، ليس فقط لقول الحقيقة، ولكن أيضا للقيام بكل ما نستطيع لجسر الهوة والتقريب بين شعبنا ومجتمعاتنا”.
وذكّر المسجد بأنه على مدى 15 سنة تلقى العديد من الجوائز المرتبطة بعمله وإسهاماته في المجتمع البريطاني.
وحتى عام 2005 كان المسجد تحت إدارة “أبو حمزة المصري”، الذي وجهت إليه اتهامات بالإرهاب في الولايات المتحدة، وتمت محاكمته هناك بعد تسليمه من قبل السلطات البريطانية. ولذلك يخضع المسجد لتركيز إعلامي واسع، رغم التغييرات التي حصلت في إدارة المسجد وسمعته.
من جانبه، قال مدير المسجد محمد كزبر إن من “المهم المحافظة على سمعتنا”، مشددا في مقابلة مع “عربي21” تنشر لاحقا، على أن الأمر لا يتعلق بالمسجد فقط، بل بالجالية المسلمة أيضا.
وقال: “هؤلاء عندهم تصور بأن المسلمين عادة لا يتابعون مثل هذه الحالات.. وكيتي هوبكنز عندما نشرت تغريدتها عن مسجد فينسبري بارك، لم تكن تعتقد أننا سنتابع الأمر، وأننا قد نذهب بالموضوع إلى المحكمة”.
وأضاف: “للأسف الشديد معظم وسائل الإعلام البريطانية، وحتى شخصيات مثل هذه (هوبكنز)، يعتقدون أن بإمكانهم مهاجمة الإسلام والمسلمين، وأن يكتبوا ما يشاؤون، دون أن يكون هناك رادع. لذلك آثرنا أن نردع مثل هؤلاء، ليس فقط من أجل المسجد، بل أيضا من أجل الجالية المسلمة”..
وفي هذا السياق، تناولت صحيفة الغارديان هذا الموضوع تحت عنوان: “كاتي هوبكنز تُجبر على الاعتذار بعد ربط غير صحيح بين المسجد وهجوم على الشرطة”.
واستخدمت الإندبندنت عنوانا مشابها، وكتبت: “كاتي هوبكنز تُجبر على الاعتذار بعد تعليقات غير دقيقية حول مسجد فينسبري بارك”.
وقالت الصحيفة: “المعلقة اليمينة المتطرفة أُجبرت على الإقرار بالمساهمات التي قدمها المسجد الحائز على جوائز للمجتمع”.
ويشار إلى أنه في أيار/ مايو 2018 اضطرت صحيفة “صاندي تايمز” للاعتذار من كزبر ومسجد فينسبري بارك، مع دفع تعويضات وإزالة تقريرها من موقعها الالكتروني، بعدما اتهمت المسجد ومديره بالتطرف، ومزاعم أخرى من مثل أنه كزبر يتهم بريطانيا بالمسؤولية عن تنظيم الدولة، وأنه يريد القضاء على إسرائيل، وهي مزاعم لم تقدم عليها الصحيفة أي دليل.
وفي تغريدتها الأصلية، كانت هوبكنز قد نشرت صورة مقتطعة من تسجيلات كاميرات المراقبة، مع تعليق: “مسجد فينسبري بارك. الساعة بعد الثامنة مساء بقليل. ضباط يتعرضون لهجوم. خمسة ممثلين عن دين السلام (تقصد الإسلام) تم اعتقالهم. لا تغطية إعلامية”.
لكنها في رسالة الاعتذار، قالت إنها “سعيدة تماما للتصحيح للإشارة إلى أن الحادثة لم تقع خارج مسجد فيسنبري بارك، بل على بعد شارعين، في شارع بلاكستوك”.
وقالت: “أنا حقا آسفة لأي إساءة أو إيذاء تسببت بهما لمسجد فينسبري بارك”، مضيفة: “أعتذر بشدة للمسجد بسبب المعلومات غير الصحيحة”.
بل إن هوبكنز اضطرت للاعتراف بالتبرعات التي قدمها المسجد خلال أزمة كورونا لتزويد مستشفيات بمعدات الحماية الشخصية، وتوزيع مساعدات غذائية للفئات الأكثر عرضة للخطر في المنطقة، وتوفير خط هاتفي للمساعدة، إضافة إلى توفير حملات للتوعية بشأن التباعد الاجتماعي في منطقة المسجد، بما في ذلك الشارع الذي وقعت فيه الحادثة.
وأضافت: “أنتهز هذه الفرصة لأقر بالمساهمات التي قدمها المسجد للمجتمع”.
من جهته، غرد النائب في البرلمان البريطاني أفضل خان قائلا: “مثال بارز على الإسلاموفوبيا. اليمين المتطرف يعيش على نشر الخرافات وصناعة الهستريا. من المحزن أن المجتمعات تدفع الثمن”. وأرفق تغريدته برابط لتقرير صحيفة الغارديان عن اعتذار هوبكنز.
وتعرضت هوبكنز لانتقادات شديدة في الماضي بسبب تعليقاتها، بما في ذلك مقارنتها المهاجرين بالصراصير.
وفي الآونة الأخيرة، كانت هوبكنز تنتقد حركة مهتمة بحقوق السود، وكذلك قرار الحكومة بتقديم وجبات مجانية للأطفال الفقراء خلال العطلات المدرسية.
ودأبت على إعادة نشر مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خصوصا تلك المؤيدة للخروج من الاتحاد الأوروبي والمناهضة للهجرة، إضافة إلى سلسلة من الهجمات على عمدة لندن صادق خان، وهو مسلم.
وفي أيار/ مايو 2017، تم إنهاء عملها في إذاعة “LBC” البارزة، بعدما علقت على تفجير حفل غنائي في مانشستر، مستخدمة تعبير “الحل النهائي” ضد المسلمين، وهو تعبير نازي استخدم ضد اليهود.
وقبل ذلك بشهرين، أمرت المحكمة العليا هوبكنز بدفع تعويضات لكاتبة، بعد تغريدة قررت المحكمة أنها تشويه لسمعة المشتكية.