أزمة الوباء في الأردن تغير الطباع … ووزير داخلية بلهجة عسكرية

12 مارس 2021
أزمة الوباء في الأردن تغير الطباع … ووزير داخلية بلهجة عسكرية

وطنا اليوم:قد يعكس التعبير الذي استعمله وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم حكومة الأردن صخر دودين، رغبة في «المجاز اللغوي» تعكس المجاز السياسي الذي يسعى لتهدئة الرأي العام بالتوازي مع إظهار «الشدة في الاتجاه المعاكس للتسيب» الإداري.
لكن الإثارة التي رافقت استعمال عبارة «رؤوس ستتدحرج» تدل أيضاً على مستوى الأزمة الفيروسية التي تتفاعل كما لم يحصل من قبل في المشهد الأردني، خصوصاً أن المسألة تتعلق برؤوس «موظفين» على الأرجح من مستويات إدارية بسيطة يمكن إحالتهم للقضاء بتهمة «تسريب وثائق رسمية».
الوزير دودين يحاول الإعلان عن وجود «لسان مختلف وشفاف وصلب» ينطق باسم الحكومة حالياً في ظرف حساس للغاية، يتحدث فيه مدير المركز الوطني للوباء الدكتور فراس هواري عن «توصيات خبراء» تطلب من الأردنيين «إغلاق المملكة» بكاملها للسيطرة على الوباء.
الهواري بدوره يكشف لسبب عن تلك التوصيات بالإغلاق الشامل، وإن كان يعكس مجدداً مستوى التزاحم في الاجتهادات والنصوص التي تدل ليس على الأزمة نفسها ولكن على اتجاهات متعددة تحاول منهجة وبرمجة التشدد والحظر والإغلاق، فعمان احتلت المركز الرابع عربياً وحظيت بموقع متقدم عالمياً قياساً بالوباء وعدد الإصابات، وتحديات المخاطر بدأت تضرب بقوة على المفاصل الحساسة للقطاع الطبي.
لذلك، يبذل الوزير دودين جهداً إضافياً في طمأنة الأردنيين واستعمال المجاز اللغوي والمجاز السياسي حتى تتمكن الحكومة من الحفاظ على توازنات تخل بها بالعادة إدارة المخاطر، وإن كان الوزير نفسه يتحدث عن ظهور فعاليات «رقابة جديدة» شعبية وليس دستورية فقط على الحكومة، حتى عندما يتعلق الأمر بـ«كلمات الوزراء».
يبدو دودين هنا ودوداً ومقرباً من إيقاع الناس، ويريد أن يظهر الضجر الرسمي والأمني والبيروقراطي من ظاهرة «تسريب القرارات والوثائق» التي عانت منها في السنوات الأخيرة كل المؤسسات، فإجراءات التحقيق مستمرة في مقر رئاسة الوزراء، والمسؤولية سيحددها الفنيون، والعقوبة سيرسمها القضاء. وحسب دودين، فـ»مسألة التسريب ينبغي أن تتوقف».
تلك هي توجيهات رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، الذي يحاول إعادة إنتاج المضمون لعبارة «هيبة الدولة» عبر إصدار سلسلة قراءات سريعة وشجاعة عندما تحصل مشكلات كانت حكومات الماضي تراوغها أو لا تتعامل معها بحسم وصلابة حصرياً مثل «تسريب الوثائق».
يعلم الجميع بأن عدداً أكبر مما ينبغي من مذكرات ووثائق الحكومة الرسمية يصل لوسائل الإعلام والمنصات، وأحياناً لمنابر المعارضة الخارجية، قبل إعلانها أو حتى اعتمادها، وسبق للحكومة السابقة أن صمتت على هذه الظاهرة. وهنا ما يريد قوله الخصاونة بأن حكومته معنية بمواجهة واقع الأمر عندما يتعلق الأمر بتسريب وثائق وقرارات أوامر الدفاع في مرحلة الاشتباك مع الفيروس كورونا.
وعليه، يمكن قراءة مجاز الوزير دودين في هذا السياق، فمن يحترف تسريب الوثائق أصلاً من مقر رئاسة الوزراء وحتى من مؤسسات «سيادية» في بعض الأحيان هم موظفون بيروقراطيون على الأرجح، ويخضع بعضهم للحماية والتستر. فوق ذلك، يعلم الجميع بأن تسريب الوثائق والقرارات جزء حيوي ومفصلي من «النكايات» أحياناً بين المؤسسات والشغب المتبادل بين مراكز القوى في بعض مؤسسات الدولة، الأمر الذي يعتقد أنه التلميح الباطني في تصريح دودين عن «رؤوس ستتدحرج» تبين لاحقاً أنها «قد لا تفعل» وإن كانت رسالة المجاز اللغوي السياسي قد وصلت في كل حال وبذكاء حاد من الوزير دودين «إلى كل من يهمه الأمر».
الحكومة هنا وفي هذه الجزئية تريد أن تقول بأن طبيعة الأزمة الحالية تتطلب عودة تسريب مفهوم «الولاية العامة» وقد برز ميل الخصاونة لذلك بعد التعديل الوزاري الأخير ومرحلة العودة إلى الاختصاص الدستوري والصلاحياتي التي أمر بها علناً الملك عبد الله الثاني الشهر الماضي، حيث سارع الخصاونة أصلاً لإبلاغ الوزراء قبل التعديل الأخير بأن التمكين الدستوري في التنفيذ توجيه ملكي يشمل الوزراء أيضاً لا الموظفين الأمنيين فقط.
وعلى ضفاف ما تفعله الأزمة الفيروسية وتنتجه من تحولات نخبوية وسياسية لا يستهان بها في صلب الحكومة، فمن الطبيعي القول بأن «المجاز السياسي اللماح» في بطن وباطن عبارات الوزير دودين قد يشمل لغة ولهجة وزير الداخلية الجديد أيضاً العميد سابقاً والوزير حالياً مازن الفراية، فقد ظهر الرجل في اجتماعات ومؤتمرات تحدث فيها عن «توقع الحدث قبل حصوله» وعن «إصدار أوامر للحكام الإداريين». اللهجة العسكرية واضحة وغير مألوفة وزارياً في لغة الفراية خلال مؤتمر صحافي، والمسألة لا يمكنها أن تكون «مجازية لغوية» أيضاً؛ فقد استعان مركز القرار بعسكري شاب متخصص أدار الأزمة أصلاً طوال العام الماضي في وزارة مدنية سيادية ضخمة مثل الداخلية، لسبب. وهو سبب من المرجح أنه يخدم في اتجاهين لا ثالث لهما، تتطلبهما المرحلة الحساسة اليوم.
الاتجاه الأول، التفرغ السياسي الصارم إدارياً وسياسياً في مسألة وتفصيلات الاشتباك مع الفيروس كورونا بعدما وصلت الأمور وبائياً إلى منحنيات مخاطر حرجة للغاية.
والاتجاه الثاني، تعزيز الاشتباك مع مسألة الاختصاص وتقاسم الأدوار والعودة لمفهوم «حكومة شرسة» ورئيس وزراء صارم لا يتردد عند حصول خطأ، بمعية وزير داخلية يقولها بوضوح وعلناً بلغة «الأوامر» وتحديداً للحكام الإداريين، ويرافقهما لسان وزاري «فصيح» يعلم ما يجري، ويسرب «الرسائل بدوره» عندما يحصل «تسريب» تحت لافتة «المجاز اللغوي».