مروان العمد
في مواجهة وباء كورونا وتزايد اعداد المصابين به ، وفي يوم الاربعاء الموافق 26 / 2 / 2021 اصدر دولة رئيس الوزراء البلاغ رقم 24 استناداً إلى احكام البند ( 8 )من امر الدفاع رقم ( 19 ) لسنة 2021 والذي ينص على حظر تنقل الأشخاص وتجوالهم في جميع مناطق المملكة من الساعة العاشرة ليلاً من يوم الخميس وحتى الساعة السادسة صباحاً من يوم السبت من كل اسبوع . كما يحظر تنقل الاشخاص وتجوالهم في مناطق المملكة جميعها في باقي أيام الاسبوع من الساعة العاشرة ليلاً وحتى السادسة صباحاً . وعلى اثر ذلك اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في الحديث عن هذا البلاغ وتوزعت المواقف ما بين اغلبية رافضة لهذا الحظر ومستنكرة له لاسباب قد نتفق عليها وقد نختلف واقلية مؤيدة وداعمة لهذا القرار .
وانا وبحكم انني كنت احد مصابي هذا الوباء قبل ثلاثة اشهر والذي كاد ان يفتك بي لولا عناية الله ولطفه . وانا ولكوني من الفئة العمرية الاكثر تعرضاً للخطر من وراء هذا الفيروس والتي يعتبرها البعض ثمناً مقبولاً دفعه من خلال تقليلهم من خطره وحصره بكبار بالسن واصحاب الامراض المستعصية فقط بالرغم من ان الحياة هي نفس الحياة للجميع وهي غالية على اصحابها مهما بلغوا من العمر . وبالرغم من ان بعض من يقولون ذلك هم من نفس الفئة العمرية او كادوا ان يصبحوا منها ، وبالرغم من ان هذا الوباء قد حصد الكثير ممن هم في سن الشباب وحتى الاطفال . ولأن هذا الوباء قد وصل الى الكثير من افراد عائلتي واقاربي واصدقائي ، ولما اسمعه يومياً من اصابات تعد بالآلاف ووفيات بالعشرات من ابناء وطني وكلها تبعث على الاسف والاسى ، فأن كل هذا يعطيني حقاً في ان اقول ما يجول في خاطري حوله وسيكون كلامي صريحاً ومباشراً اتجاه بعض الافكار والنظريات التي تم تداولها راجياً من حملتها ان لا يعتبروا ذلك هجوماً شخصياً عليهم فهم في ذواتهم محل احترام وتقدير من قبلي ولكن خلافي هو مع بعض مواقفهم وافكارهم .
وبداية كنت افضل ان لاتعود الحكومة لفرض حظر التجول حتى لو كان ليوم واحد . وكنت افضل لو ان المواطنين جميعهم التزموا بتعليمات الوقاية من انتشار الوباء الامر الذي لم يحدث مما فتح المجال للعودة لاسلوب حظر التجول للحد من انتشاره وعلى قاعدة آخر العلاج هو الكي . ولكني سوف اتعرض لحجج بعض معارضي الحظر وابدي وجهة نظري بها .
واول هذه الحجج ان الحظر سوف يضرب الحركة التجارية في هذا اليوم ، ومنذ متى كان يوم الجمعة يوماً للنشاط التجاري ؟ وكم كانت عدد المحال التي تفتح به ابوابها والى اي ساعة ؟ . وكم كنا نحن كمواطنين نذهب للتسوق في هذا اليوم ؟ انه يوم الاجازة الاسبوعية ويوم المناسبات والجاهات والاعراس والتجمعات والولائم ويوم التنزه والرحلات والسهرات الليلية ، حتى عمال المياومة والمهنيون لا يعملون في ذلك اليوم . القطاع الذي كان يعمل وتعطلت اعماله في ظل الحظر هو قطاع الفنادق والمطاعم والكوفي شوب والمقاهي وقاعات الاحتفالات والمناسبات والعاملين بها . ومعظم هذا القطاع والعاملين فيه متوقفة اعمالهم بموجب اومر الدفاع منذ بداية انتشار الوباء . و البقية سمح لهم بالعمل الجزئي وبنصف طاقتهم وتحت شروط وظروف صعبة جداً ولساعات محددة . اي ان اعمالهم وارزاقهم كانت قد توقفت وتقطعت من دون حظر الجمعة والذي زاد وضعهم سوءاً ، وهم الذين من حقهم ان يعترضوا وان يحتجوا وان يشكوا وان يطالبوا بالتعويض ، في حين ان الذين قاموا بهذه المهمة عنهم وسكبوا الدموع عليهم لا علاقة لهم بهذه القطاعات المتضررة الا من حيث انهم زبائن لها يذهبون اليها لغاية المتعة وتدخين الارجيلة فقط .
البعض ذهب في اعتراضاته على حظر التجول في يوم الجمعة على عدة حجج مثل القول بعدم وجود دراسات تثبت ان هذا الحظر يخفف الاصابات . والبعض قال ان هذا سوف يجعل الاقارب يتجمعون في منزل احدهم من مساء يوم الخميس الى صباح يوم السبت وبذلك تزيد نسبة الاختلاط . والبعض قال ان حظر التجول يوم الجمعة سوف يجعل المواطنين يقومون بطقوس هذا اليوم في يوم السبت . والبعض قال ان هذا الحظر سوف يجعل المواطنين يتزاحمون على اماكن تسوق المواد الغذائية والمخابز في اليوم السابق واليوم اللاحق لهذا اليوم وبهذا يتحقق المزيد من اختلاط المواطنين وان الحظر سوف يزيد من فرص اختلاط المواطنين . ومن النظرة الاولى لهذه الاعتراضات قد يبدو فيها بعض الصحة ، ولكن المدقق فيها وبحيادية سوف يجد عكس ذلك .
بالنسبة لعدم وجود دراسة تثبت ان حظر يوم الجمعة يقلل فرص الاصابة فأنه وحتى على فرض غياب هذه الدراسة ، فأنه من المؤكد انه كلما قلت فرص التقاء المواطنين مع بعضهم خارج نطاق منازلهم قلت فرصة انتقال العدوى بينهم . والتجربة العملية اثبتت ذلك حيث انه بعد انخفاض اعداد الاصابات ورفع حظر تجول يوم الجمعة في منتصف شهر كانون الثاني الماضي ، ما هي الا ايام حتى ارتفعت اعداد الاصابات الى درجة كبيرة وعادت لتتجاوز الستة الاف اصابة يومياً ، ناهيك عن ارتفاع عدد الوفيات ليصل الى حدود الاربعين حالة يومياً وارتفاع نسبة الفحوصات الإيجابية للتجاوز الخمسة عشر بالمائة من الفحوصات التي يتم إجراءها يومياً . وهذه الارقام هي افضل دراسة يتم إجراءها في هذا المجال والتي تثبت ان رفع حظر يوم الجملة قد زاد الاصابات وبالمخالفة فأن فرض الحظر في هذا اليوم سوف يخفضها .
وبالنسبة لاجتماع العائلات مع بعضهم في منزل احدهم خلال ايام وساعات الحظر ، فأنه وان حصل ذلك يكون بنسبة قليلة لا تكاد تذكر لصعوبة ذلك من الناحية العملية وخاصة مع ضيق معظم مساكن المواطنين على عكس ما اورده احدهم على شاشة التلفزيون . وبالنسبة للقيام بالنزهات في يوم السبت عوضاً عن الجمعة فأنه وان حصل ذلك في بعض الحالات فأنه لن يحصل في كلها لان يوم السبت يبقى يوم عمل للغالبية العظمى من الاردنيين . اما بالنسبة للازدحامات ما قبل الحظر وما بعده فأنه قد يكون مبرراً ان يحصل في اليوم الاول للحظر ، علماً انه كان لدى المواطنين يوماً كاملاً للتزود بما يلزمهم من مواد تموينية ، وعلماً انه لا مبرر حقيقي لهذا الازدحام ، فأن مدة الحظر هي يوماً واحداً والحاجة للمواد التموينية الضرورية لهذا اليوم لا تبرر حجم هذا الازدحام وخاصة اننا شعب يتعامل بتخزين المواد الغذائية وفِي كل بيت تقريباً لا بد وان تجد بعض الحبوب والبقوليات والمعلبات بالاضافة الى الزيت والزيتون والزعتر والمربى والاجبان والمقدوس وغيرها وغيرها وبامكان اي اسرة ان تعود نفسها على ان تعيش هذا اليوم على تلك المواد . او ان تقوم كل اسرة باعداد طعام في يوم الخميس يكفي ليوم الجمعة ايضاً والذين سيقولون ان بعض المواطنين لا توجد لديهم مواد غذائية محفوظة لانهم لا يملكون ثمنها ويعيشون قوتهم بيومهم فعلى من لديه هذه المواد ومن ليسوا بحاجة ماسة لها عدم التكالب على الشراء ان يتيحوا ذلك للذين بحاجة للتسوق ودون ان يزاحمونهم على ابواب وداخل المحال ، اما بالنسبة للتزاحم في اليوم الذي يلي يوم الحظر فلو اجتمع عباقرة الانس والجن ليجدوا تفسيراً له فلن يجدوا .
كل هذه سلوكيات شعبية خاطئة وغير مبررة وغالباً ما يكون مصير المواد التي يتم شراءها التلف او عدم الاستعمال . وانني اتسائل ماذا لو لا سمح الله حصلت عندنا احداث تجعل المواطنين يلتزمون منازلهم لعدة ايام ؟ ماذا لو حصلت حالة حرب او فتن او كوارث كما حصل في بعض دول الجوار ؟ وكيف سنتدبر امورنا حينها ونحن لا نستطيع ان نفعل ذلك لمدة يوم واحد . وهل ندع هذه السلوكيات الخاطئة هي التي تتحكم بنا حتى لو كان ثمنها صحتنا وحياتنا ؟
مما لا شك فيه ان وضعنا الاقتصادي اصبح صعباً جداً وهو مرشح لأن يصبح اكثر صعوبة يوماً بعد يوم . ولكن مما لا شك فيه ان وضعنا الصحي والحياتي اصبح صعباً هو ايضاً وهو يزداد صعوبة يوماً بعد يوم . وانه لا بد من اتخاذ إجراءات توائم ما بين الصعوبات التي تواجه اقتصادنا وتلك التي تواجه حياتنا .
وفِي ظل عدم التزام المواطنين بتعليمات الوقاية من الوباء كما يجب فأنه لابد من قرارات تحد من حرية حركتهم وبالتالي الحد من فرص تنقل الوباء بينهم ومن هذا المنطلق افهم حظر يوم الجمعة وانا كاره له ولكن ما الذي اجبرك على المر غير الذي امر منه .