وطنا اليوم _
كتب : ليث الفراية
لا تُقاس قوة الدول بعدد مؤسساتها، بل بقدرتها على أن تكون مفهومة، قريبة، وقابلة للوصول وفي لحظات التحوّل الحقيقي، لا يظهر التغيير في القوانين وحدها، بل في الشعور العام، في الإحساس الخفي لدى المواطن بأن هناك من يسمعه دون أن يصرخ، ومن يفهمه دون أن يشرح طويلًا من هذه الزاوية بالذات، يمكن قراءة تجربة معالي رئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي “ابو حسن” ، لا بوصفها مسارًا وظيفيًا، بل كحالة أعادت تعريف العلاقة بين الأردني والدولة.
يوسف العيسوي لم يدخل الديوان الملكي بعقلية الحارس على الباب، بل بعقلية من يرى في الباب وسيلة لا غاية ومنذ اللحظة الأولى، بدا واضحًا أن الرجل لا يؤمن بالمسافة الباردة بين الموقع والناس، ولا يرى في الهيبة حاجزًا، بل مسؤولية مضاعفة حيث أن الديوان، في هذه المرحلة، لم يعد مجرد عنوان رسمي تُرفع إليه الكتب، بل مساحة وطنية مفتوحة، يشعر فيها المواطن أن صوته لا يضيع في الممرات.
ما حدث لم يكن ضجيجًا إعلاميًا، ولا انقلابًا شكليًا، بل تحوّلًا هادئًا في السلوك تحوّل جعل الناس تتعامل مع الديوان الملكي باعتباره أقرب نقطة تماس مع الدولة، لا أبعدها وهذا التحوّل لا تصنعه القرارات وحدها، بل تصنعه طريقة الاستقبال، لغة الحوار، ونبرة الإصغاء هنا تحديدًا، برز دور يوسف العيسوي كمهندس علاقة، لا كمدير مؤسسة.
العيسوي فهم مبكرًا أن أخطر ما يمكن أن تواجهه أي دولة مستقرة هو شعور مواطنيها بأنهم بعيدون عنها لذلك، لم يتعامل مع القضايا الإنسانية كملفات تُغلق، بل كقصص لها امتداد اجتماعي ونفسي في كل قضية، كان هناك إدراك بأن المواطن لا يأتي إلى الديوان طلبًا لامتياز، بل بحثًا عن عدالة، أو إنصاف، أو فرصة حياة وهذا الفهم هو ما أعطى للدور بعده الحقيقي.
في تجربته، لم معالي أبو حسن صوتًا منفصلًا عن الشارع، بل ناقلًا صادقًا لنبضه لم يُجمّل الواقع، ولم يُخفِه، بل قدّمه كما هو، إيمانًا بأن القرار السليم لا يُبنى على صورة مثالية، بل على فهم دقيق للتحديات هذا الدور الوسيط، الذي يجمع بين ثقة القيادة واحترام الناس، هو أحد أصعب أدوار الدولة، وأكثرها حساسية.
ولعلّ ما يميّز هذه التجربة أنها لم تُقدَّم بوصفها إنجازًا شخصيًا، بل كجزء من رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، التي تضع الإنسان الأردني في قلب المعادلة حيث الديوان الملكي، في هذا السياق، لم يكن مؤسسة موازية للدولة، بل أحد أدوات توازنها، وصمام أمان اجتماعي يُخفف الاحتقان، ويُعيد بناء الثقة حيثما اهتزّت.
يوسف العيسوي لم يبحث عن الأضواء، وربما هذا ما جعل أثره أعمق فالأدوار التي تُمارس بصمت، غالبًا ما تكون الأكثر رسوخًا حيث لم يكن حاضرًا في المشهد الإعلامي بقدر حضوره في المشهد الإنساني، في تفاصيل لا تُصوَّر، وقرارات لا تُعلن، لكنها تُغيّر حياة الناس بالفعل.
هذه ليست كتابة ثناء، ولا محاولة لتلميع صورة، بل قراءة لتجربة أثبتت أن الدولة القوية لا تخاف من الاقتراب، وأن المسؤول الواثق لا يحتاج إلى رفع صوته ليُسمع حيث تجربة تقول إن فتح الأبواب لا يُضعف الهيبة، بل يُعيد تعريفها، ويمنحها معناها الأعمق هكذا يُمكن فهم يوسف العيسوي “ليس كأسم في موقع، بل كجزء من مرحلة أعادت الاعتبار لفكرة أن الدولة حين تقترب من ناسها، فإنها تحمي نفسها قبل أن تحميهم وهكذا تُكتب الأدوار التي لا تُنسى لا بالضجيج، بل بالأثر.






