بين الشعبوية السياسية ومتطلبات الدولة: قراءة في مداخلة العرموطي حول القواعد الأميركية

دقيقة واحدة ago
بين الشعبوية السياسية ومتطلبات الدولة: قراءة في مداخلة العرموطي حول القواعد الأميركية

وطنا اليوم-خاص- قاسم العمرو-أثارت مداخلة النائب صالح العرموطي تحت قبة البرلمان، ومطالبته بطرد القواعد الأميركية من الأردن، موجة واسعة من التفاعل السياسي والإعلامي، أعادت إلى الواجهة ملفًا شديد الحساسية يتقاطع فيه الأمن الوطني مع الخطاب الأيديولوجي والشعبوي، في توقيت لا يخلو من دلالات سياسية داخلية وإقليمية.

فالحديث عن القواعد الأميركية لا يمكن فصله عن السياق العام الذي تمر به الحركة الإسلامية إقليميًا ومحليًا؛ إذ يأتي في لحظة مأساوية تعيشها غزة، وبعد تحولات عميقة في المشهد السياسي لحركة حماس، وسط قراءات متباينة لمواقف قيادتها، كان آخرها حديث خالد مشعل الذي بدا، لدى كثيرين، محاولة لتخفيف المسؤولية السياسية والأخلاقية عمّا آل إليه المشهد الإنساني الكارثي في القطاع.

في هذا الإطار، يرى مراقبون أن إثارة ملف القواعد الأميركية في هذا التوقيت تحديدًا لا يخلو من أهداف سياسية داخلية، تتجاوز البعد السيادي المعلن، لتصب في إطار إعادة إنتاج شعبية لكتلة العمل الإسلامي، بعد ما اعتبره البعض إخفاقًا في مقاربة أولويات الشارع الأردني، وعلى رأسها مناقشة وإقرار الموازنة العامة، وما تحمله من أعباء اقتصادية مباشرة على المواطنين.

ولا يمكن إغفال أن الخطاب التصعيدي سرعان ما وجد صداه في منصات التواصل الاجتماعي، حيث التقط ناشطون الحديث عن القواعد الأميركية، وتم توظيفه في سياق تعبوي، رغم أن العرموطي ورفاقه يدركون جيدًا أن الوجود العسكري الأميركي ليس حالة أردنية استثنائية، بل هو قائم في معظم الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، بما فيها تركيا، التي تحتضن قاعدة إنجرليك، إحدى أهم القواعد الأميركية، وهي في الوقت ذاته تُعد إحدى الحواضن التاريخية للحركة الإسلامية السياسية عالميًا.

من ناحية أخرى، يطرح هذا الجدل سؤالًا مشروعًا لا يمكن القفز عنه: لماذا لا تتبنى الحكومة الأردنية خطابًا واضحًا وشفافًا إزاء هذا الملف؟ إما بتوضيح طبيعة أي وجود عسكري أجنبي إن وجد، وأطره القانونية، ومهامه، وحدوده، أو بنفي قاطع يضع حدًا لحالة الجدل والتأويل.

فالدولة، من حيث المبدأ، تملك كامل الحق السيادي في إبرام المعاهدات والاتفاقيات العسكرية، والدخول في شراكات دفاعية مع من تراه مناسبًا، بما يخدم أمنها الوطني واستقرارها، خصوصًا في بيئة إقليمية شديدة الاضطراب، وحدود ملتهبة، وتهديدات عابرة للدول. غير أن هذا الحق لا يتعارض مع مبدأ الشفافية، ولا مع حق الرأي العام في المعرفة ضمن ما تسمح به اعتبارات الأمن القومي.

إن تحويل القضايا الاستراتيجية الكبرى إلى أدوات في الصراع السياسي الداخلي، أو استخدامها لشحن القواعد الشعبية، قد يحقق مكاسب آنية، لكنه يحمل في طياته مخاطر خلط المفاهيم، وإضعاف النقاش العقلاني، وتحويل الملفات السيادية إلى شعارات فضفاضة.

وفي المحصلة، فإن الأردن بحاجة إلى خطاب سياسي مسؤول، يوازن بين النقد المشروع، ومتطلبات الدولة، ويحترم وعي المواطنين، بعيدًا عن الاستثمار في العواطف أو استدعاء الملفات الحساسة خارج سياقها الموضوعي، خصوصًا في لحظة دقيقة تتطلب أعلى درجات الحكمة والاتزان.