البدايات لا تنتهي… ومرافئ العلم لا تعرف الختام

52 ثانية ago
البدايات لا تنتهي… ومرافئ العلم لا تعرف الختام

بقلم: الدكتورة هند جمال الضمور

لن تكون هذه المرحلة هي الأخيرة، ولن يكون الحصول على الدكتوراه محطة ختام لمسيرةٍ بدأت منذ سنوات. فالعلوم مهما بلغت قممها لا تضع حدًّا لطالبها، بل تفتح له أبوابًا جديدة تُذكّره بأن الرحلة أطول وأعمق مما ظنّ.

لقد اجتزتُ الكثير من المراحل التعليمية، وانتقلتُ من خطوةٍ إلى أخرى، حتى وصلتُ إلى لحظة مناقشة أطروحتي لنيل درجة الدكتوراه. ومع أن هذا الإنجاز يُعدُّ تاجًا على رأس كل باحث، فإنني لا أراه نهاية المطاف، بل أراه بداية الطريق الحقيقي نحو الفهم الواعي، والنضج العلمي، والقدرة على توظيف المعرفة فيما ينفع الناس.

العلم لا يُقاس بالشهادات وحدها، بل بما يتركه في النفس من أثر، وما يفتحه أمام العقل من آفاق. وكلما تعمّق الإنسان في البحث، تبيّن له أنه لم يتعلم إلا قليلًا؛ فالكثير مما كنا نظنه معرفة ثابتة، تبيّن مع الأيام أنه مجرد بداية لفهم أوسع.
ومن قال يومًا: قد علمت، فقد دلّ ذلك على أنه لم يتعلم من العلم شيئًا، فالعلم بحرٌ لا شاطئ له، ومن يظن أنه بلغ منتهاه إنما يقف على أول الموج لا أكثر.

اليوم، وأنا أقف على عتبة مرحلة جديدة، أدرك أن الطريق لم يبدأ إلا الآن. فالتعليم الحقيقي يبدأ بعد الشهادة، حين يبحث المرء عن وسائل تُساند ما تعلمه، ويختبر قدرته على تحويل المعارف إلى أثر، والفهم إلى ممارسة، والبحث إلى خدمة لأهله ومجتمعه ووطنه.

لقد كانت هذه الرحلة مليئة بالتحديات، لكنها في الوقت ذاته مليئة بالدروس التي صقلت الإرادة، ووسّعت البصيرة، وعلّمتني أن النضج ليس في كثرة السنين، بل في عمق التجربة، وأن الفهم ليس في حجم الكتب، بل في قدرتنا على تحويل العلم إلى خلق، والرأي إلى حكمة، والدراسة إلى رسالة.

واليوم، أقول بيقين:
إن كل مرحلةٍ تجاوزناها ليست سوى خطوة أولى نحو مرحلة أكبر، وإن كل نهاية هي بداية جديدة لمن أراد أن يبقى تلميذًا للحياة، مهما علت شهاداته ومهما ارتفع مقامه.

فالحياة مليئة بالمعرفة، ولا ينال من أسرارها إلا من ظلّ يسلك درب العلم بتواضع، ويقف أمام الحقيقة بخشوع، ويؤمن أن الله يرفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات.