الخطيب يكتب: جمال الخريشا.. حضور يبقى وغياب يوجع.. 

35 ثانية ago
الخطيب يكتب: جمال الخريشا.. حضور يبقى وغياب يوجع.. 

وطنا اليوم _

بقلم: م مدحت الخطيب

جمال الخريشا ، الفارس الذي لم يترجل إلا حين غادرت الروح ساحة الدنيا. رجلٌ حمل معنى الرجولة على كتفيه كما يحمل البدوي عباءته؛ بثبات، ووقار، وصدق لا يعرف الالتواء. لم يكن جسداً يمر بين الناس، بل حضوراً يملأ المكان، وهيبةً تُشعر من يراه أنه أمام رجلٍ يعرف قيمة الأرض والناس والوطن

أحب الأردن بصدق وإخلاص فاحبه القريب والبعيد وذاع صيته بين الخيرين داخل الأردن وخارجه

كان بدوياً على الفطرة؛ نبيلاً في خُلقه، ناصعاً في مروءته، سريع النجدة لا يتردد في عون طالبها، قريب القلب رصين ، بعيداً عن ضجيج الادعاء والتذمر والتنكر للوطن، وفي العسكرية كان مثالاً للانضباط والرجولة، يعرف معنى الشرف والدفاع عن العرض والأرض كما يعرف الجندي الفرق بين الرصاصة والخيبة، لم يُعرف عنه أنه تقدّم لغير المهمة، ولا أنه تأخر عن واجب. كان إذا قال فعل، وإذا وعد وفى، وإذا وقف أهاب بالمكان أن يستقيم

وفي السياسة كان رزينةً تمشي على قدمين؛ خطابٌ لا يعلوه صراخ، وموقف لا تهزّه العواصف، وجرأة لا تعرف التهويل. كان يؤمن أن العمل العام شرف تكليف لا تشريف، وأن خدمة الناس دين وديدن ، وأن الكلمة إذا خرجت من رجلٍ حقيقي لا تُصرف في سوق المساومات

غاب الجسد يوم أمس، لكنّ ما تبقى أكبر من الغياب، تبقى سيرته التي ترويها المجالس بلا مبالغة. تبقى أياديه البيضاء التي يعرفها القريب والبعيد. تبقى طيبته التي لا تُنسى، ووقوفه مع الناس في شدائدهم، وابتسامته التي تخفف عن قلب محتاج، وكلمته التي تقيم ظهر مظلوم.

جمال الخريشة لم يكن اسماً في سجل، بل أثراً في النفوس. رجلٌ إذا مرّ ترك خلفه معنى، وإذا رحل ترك فراغاً يَشهد على قيمة الرجال. رحل الفارس، لكنه ترك سيفه معلقاً في ذاكرة الوطن، وتبقى روحه عنواناً لجيلٍ تعلم منه أن الرجولة موقف، وأن الهيبة صدق، وأن الشرف سلوك قبل أن يكون لقباً

عزائي الخالص للصديق معالي المهندس حديثه وزوجة الفقيد وابنائه وبناته وأهله وذويه وعموم قبيلة بني صخر ولكل محبيه .

رحم الله الفقيد، وجعل مثواه الجنة، وثبّتكم بالصبر والسكينة. وكما يُقال: من خلّف ما مات..

وإنا لله وإنا إليه راجعون