وطنا اليوم:في تطور قضائي يعد فصلا ختاميا في إحدى القضايا التي شغلت الرأي العام المصري مؤخرا، أسدلت محكمة استئناف الجنح الاقتصادية بالقاهرة، اليوم (الأربعاء)، الستار نهائيا على المعركة القانونية التي خاضتها البلوجر الشابة هدير عبد الرازق. أيدت المحكمة، في حكم بات لا يجوز الطعن عليه، الحكم الصادر بحقها، والقاضي بحبسها لمدة عام كامل مع الشغل، وتغريمها مبلغ 100 ألف جنيه مصري.
جاء هذا الحكم الحاسم ليغلق ملف القضية رقم 8032 لسنة 2024 (جنح الشؤون الاقتصادية)، التي واجهت فيها عبد الرازق اتهامات ثقيلة تتعلق بنشر محتوى مرئي عبر منصات التواصل الاجتماعي اعتبر خادشا للحياء العام ومحرضا على الفسق والفجور.
من تسريبات ديسمبر إلى إدانة نهائية
تعود وقائع القضية إلى شهر ديسمبر 2024، عندما تلقت النيابة العامة بلاغا عاجلا مدعوما بتقارير رصد أمني، يفيد بتداول مقاطع فيديوهات “مسربة” للبلوجر هدير عبد الرازق (26 عاما).
هذه المقاطع، التي انتشرت كالنار في الهشيم، أظهرتها في مشاهد وصفت بأنها “تبرز مفاتن جسدها بشكل متعمد”، وتضمنت محتوى يتعلق بالملابس الداخلية النسائية، قدم للجهات القضائية باعتباره “تحريضيا” على انتهاك القيم الأسرية والمبادئ الاجتماعية الراسخة.
وعلى الفور، تحركت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن الجيزة، وأكدت تحرياتها أن هذه المقاطع لم تكن مجرد تسريبات، بل تم بثها ونشرها بالفعل عبر حسابات عبد الرازق الشخصية الموثقة على منصتي “إنستغرام” و “تيك توك”، بهدف تحقيق نسب مشاهدة عالية وأرباح مالية. وبناء عليه، ألقي القبض عليها وأحيلت إلى النيابة العامة.
لائحة الاتهامات والمحاكمة
وجهت النيابة العامة للمتهمة لائحة اتهامات تضمنت 5 تهم رئيسية، هي:
بث فيديوهات خادشة للحياء العام.
نشر الفسق والفجور والإساءة إلى القيم الأسرية في المجتمع المصري.
التعدي على المبادئ الاجتماعية عبر الترويج لأعمال منافية للآداب.
استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر مواد تحريضية.
انتهاك قوانين مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
وخلال مسار القضية، أكدت التقارير الفنية المقدمة للتحقيقات أن المقاطع تم بثها بوعي كامل من المتهمة. ورغم استبعاد بعض الاتهامات الفرعية التي أثيرت في البداية، مثل “غسل الأموال”، لعدم كفاية الأدلة عليها، إلا أن الاتهامات الرئيسية المتعلقة بالمحتوى ظلت ثابتة.
في مارس 2025، صدر حكم غيابي أولي من محكمة أول درجة بحبسها عاما وتغريمها 100 ألف جنيه. هذا الحكم دفع عبد الرازق لتقديم معارضة استئنافية، والتي أدت إلى إعادة النظر في القضية في جلسة اليوم الحاسمة، والتي حضرتها المتهمة بنفسها برفقة محاميها ووالدها.
مشاهد من الجلسة الأخيرة: صدمة الأب ودفاع “الحرية والإبداع”
شهدت جلسة اليوم حضورا لافتا لهدير عبد الرازق ووالدها، الذي ظهر عليه التأثر الشديد. وفي تصريحات صحفية أعقبت النطق بالحكم النهائي، أعرب الأب عن “صدمته الشديدة” من القرار، ملمحا إلى وجود شبهات حول كيفية تسريب الفيديوهات الخاصة بابنته، والتي كانت، حسب قوله، سببا في تدهور الموقف.
من جهته، قدم فريق الدفاع عن البلوجر مرافعة قوية، حاول فيها تحويل مسار القضية من كونها قضية “أخلاقية” إلى قضية “حريات”.
ووصف الدفاع القضية بأنها “دفاع عن قيم الحرية والإبداع في مصر”، معتبرا أن الاتهامات “واهية وتهدف إلى تقويض التراث الفني المصري”، الذي يحتوي، حسب قوله، على مشاهد “أكثر جرأة” في الأعمال السينمائية والمسرحية الكلاسيكية.
كما طالب الدفاع ببطلان إجراءات القبض والتحريات، ودفع باستبعاد هاتف المتهمة من قائمة الأدلة، معتبرا أن هناك “تعسفا في الإجراءات” التي اتبعت.
الحكم واجب النفاذ
لم تأخذ المحكمة بدفوع فريق الدفاع، وبعد المداولة، رفضت كافة الطلبات الشكلية وأكدت الحكم النهائي: الحبس لمدة عام مع الشغل، والغرامة البالغة 100 ألف جنيه.
ويعني هذا الحكم البات والنهائي أنه واجب النفاذ فورا، حيث من المقرر ترحيل هدير عبد الرازق من قاعة المحكمة مباشرة إلى السجن لبدء قضاء مدة عقوبته.
وتأتي قضية هدير عبد الرازق كحلقة جديدة في سلسلة من المحاكمات التي تستهدف صناع المحتوى على السوشيال ميديا في مصر، في إطار ما تصفه السلطات بـ “جهود تنظيم النشر الرقمي وحماية النظام العام والقيم الأخلاقية”.
وتنضم هذه القضية إلى قضايا مشابهة أثارت جدلا واسعا، مثل قضايا “أوتاكا” و”سوزي الأردنية” وغيرهم ممن واجهوا اتهامات بنشر محتوى مخل وغسل أموال.






