الأستاذ هاني القاضي … صمتٌ يصنع التاريخ وفكرٌ يكتب المستقبل

21 ثانية ago
الأستاذ هاني القاضي … صمتٌ يصنع التاريخ وفكرٌ يكتب المستقبل

وطنا اليوم _

كتب: ليث الفراية

هناك رجال يغيرون مجرى الأشياء بصمت ويصنعون التاريخ قبل أن يُكتب عنهم وهاني القاضي واحد منهم حيث انه ليس ذلك الرجل الذي يركض خلف عدسة أو يطارد تصريحًا بل هو ذاك الهدوء الذي يسبق الإنجاز والعقل الذي ينسج من الأرقام حكايةً وطنية تُقرأ بين السطور أكثر مما تُقال على المنابر من يعرفه يدرك أن خلف صمته تفكيرًا متقنًا وخلف وقاره رؤيا لا تملّ من التجريب وأنه ليس من الذين ينتظرون الفرص بل من يصنعونها بأيديهم وبفكرٍ مؤمن بأن الإتقان أقصر الطرق إلى الكِبر الحقيقي .

في محيط المال والبنوك والاستثمار حيث تتكاثر المصطلحات وتتناقض الاتجاهات يختار القاضي طريقًا آخر طريقًا لا تُعبّده الأرقام بقدر ما تُنيره الفكرة فهو يدرك أن الاقتصاد ليس سباقًا على الأرباح بل مسؤوليةٌ أخلاقية تجاه الإنسان والمجتمع لذلك لم يكن حضوره في القطاع المالي مجرد موقعٍ أو لقبٍ إداري بل رؤية تعيد تعريف العلاقة بين رأس المال والقيمة بين المؤسسة والمجتمع وبين النجاح والمغزى كان يؤمن دائمًا أن المؤسسة التي تنمو بلا معنى كالشجرة التي تكبر بلا جذور وأن أعظم استثمار يمكن أن يقدمه رجلُ أعمالٍ هو في بناء الثقة قبل بناء الأرباح .

ما يميّز هاني القاضي أنه استطاع أن يُعيد إلى لغة الاقتصاد روحها الإنسانية وأن يثبت أن الإدارة ليست سلطة بل فنّ القيادة من دون استعراض في كل تجربة مرّ بها تلمس مزيجًا نادرًا بين الحزم واللين وبين الواقعية والرؤية وبين الحلم والانضباط وحين يتحدث عن المال لا تسمع صوتًا بارداً بل نبرةً تحمل إحساسًا بالمسؤولية كأنه يرى في كل رقم حكاية وفي كل مشروع وعدًا يجب أن يُنجز بشرف هذا الفهم العميق جعل بصمته في المؤسسات التي قادها لا تُقاس فقط بالنتائج بل بطريقة إدارة التفاصيل واحتضان الناس حول الفكرة الكبرى .

القاضي من أولئك الذين يتركون الأثر بلا ضجيج لا يتباهى بإنجازاته لكنه يتركها تتحدث عنه في الشارع والاقتصاد والإعلام في زمنٍ تتغير فيه السياسات وتضطرب الأسواق بقي ثابتًا على مبدأ واحد أن الثقة رأس المال الحقيقي وأن كل ما عداها يمكن أن يُستعاد إلا إذا فُقد الإيمان بالقدرة لذلك تحوّل في نظر كثيرين إلى مرجعية فكرية قبل أن يكون مصرفيًا وإلى نموذجٍ أردنيٍّ متفرّد في التوازن بين الحداثة والجذور في نظره النجاح ليس أن تبني مؤسسة كبيرة بل أن تُبقيها محترمة مهما كبُرت .

وحين تتأمل تجربته تكتشف أنك أمام رجلٍ لا يكتفي بأن يُدير المال بل يُفكّر في أثره لا يرى في المشاريع مجرد استثماراتٍ مالية بل امتدادًا طبيعيًا لرسالة الأردن في المنطقة حيث تلتقي الجدية بالتخطيط والرؤية بالاحترام لذلك لم يكن غريبًا أن يرتبط اسمه بعددٍ من الصروح الاقتصادية والسياحية التي أصبحت جزءًا من هوية البلاد الحديثة فالفكر الذي يحمله القاضي لا ينحصر في الربح بل يمتد إلى مفهوم “الاستدامة الوطنية” تلك الفكرة التي تجعل كل مشروع امتدادًا لصورة الوطن أمام العالم .

ربما سرّ تفوقه يكمن في أنه يجمع بين خلفية هندسية دقيقة وتعليمٍ مصرفي راقٍ لكن الأهم من كل ذلك هو حسّه الإنساني الذي لا يغيب عن قراراته هو من الذين يفهمون أن الأرقام بلا أخلاق تتحوّل إلى عبء وأن النجاح بلا ضمير لا يدوم لذلك من النادر أن تجد من عمل معه ولم يحتفظ بصورةٍ خاصةٍ له فيها الاحترام قبل الإعجاب والود قبل البروتوكول في بيئةٍ تتسارع فيها المصالح استطاع أن يخلق حوله مناخًا من الطمأنينة لأن منطقَه كان دائمًا أن الإدارة الحقيقية تُقاس بقدرتك على أن تُطمئن الناس لا أن تُرعبهم .

ليس غريبًا أن يكون القاضي اليوم أحد الوجوه التي يُستدلّ بها على معنى القيادة المتّزنة هو رجل لا يرفع شعاراتٍ كبرى لكنه يُمارسها في صمته لا يتحدث عن الإبداع لكنه يعيشه في كل قرارٍ محسوبٍ بعناية لم يأتِ من الصدفة بل من تربيةٍ فكريةٍ تعرف أن الوطن لا يُبنى بالشعارات بل بالعقل المنظّم والنَفَس الطويل لهذا كل خطوة يخطوها تُشبه درسًا في الصبر وكل إنجازٍ يحمل وراءه شهورًا من التفكير والعمل الجماعي المخلص ومن يتأمل مسيرته يدرك أن النجاح في نظره ليس أن تصل بسرعة بل أن تبقى واقفًا بثبات .

في النهاية لا يمكن اختزال هاني القاضي في لقبٍ أو صفة فهو ليس مجرد رئيسٍ لمؤسسة أو رجلٍ في عالم المال بل حالة فكرية تُعيد تعريف معنى المسؤولية في زمنٍ يكثر فيه الادعاء هو ذاك النوع من الرجال الذين لا يُشبهون المرحلة بل يصنعونها ولا ينتظرون التصفيق لأن إنجازهم كافٍ ليُحدث الصدى من تلقاء نفسه وكما يقول العارفون به “حين يتحدث القاضي يُنصت العقل قبل الأذن وحين يعمل يتحدث الفعل قبل الكلام” وهنا تكمن قيمته الحقيقية أنه جعل من الاقتصاد حكايةً إنسانية ومن الصمت لغةً تُفهم بلا ترجمة .