معصرة الوفاء… حيث تتحول حبات الزيتون إلى ذاكرةٍ وطنيةٍ تعبق بالكرامة

28 ثانية ago
معصرة الوفاء… حيث تتحول حبات الزيتون إلى ذاكرةٍ وطنيةٍ تعبق بالكرامة

وطنا اليوم _

كتب: ليث الفراية

في الكرك حيث الجبال تتكئ على تاريخها والحجارة تحفظ وجوه الأجداد تقوم معصرة الوفاء لا كمكان لإنتاج الزيت فحسب بل كحكاية عن الأرض حين تلتقي بالعقل وعن الجذر حين يلتقي بالعلم ففي كل موسم قطاف تمتد أصابع الفلاحين على أغصان الزيتون بينما في البعيد تلمع مداخن المعصرة كقلب نابض ينتظر أن يحول تعب عام كامل إلى قطرة ذهب سائلة تحفظ في داخلها عرق الأرض وصلاة المطر .

الوفاء لم تكن اسمًا عابرًا بل وعدًا قطعته المعصرة لكل مزارع ولكل زيتونة بأن تُحفظ نقية كما خرجت من رحم الأرض لا يطولها غش ولا تُدنّسها المكننة العمياء التي تنسى أن الزيتون روح قبل أن يكون محصولًا هنا كل شيء يُدار بعقل هندسي دقيق لكن روحه تبقى فلاحية بسيطة تحترم الأرض وتقدس الرائحة الأولى للزيت الجديد .

في معصرة الوفاء لا تناقض بين الحداثة والتراث بل تناغم يشبه نشيد الريف في صباحات تشرين فالأجهزة الحديثة وعمليات الفرز الدقيقة وضبط الحرارة والتخزين ليست أدوات إنتاج فحسب بل فلسفة تُترجم رؤية مؤسسها المهندس سامر الملاحمة الطراونة أن يكون التطوير امتدادًا للأصالة لا قطيعة معها .

هنا تُعامل كل ثمرة زيتون كما لو كانت كنزًا تمر على مراحل من التنقية والعصر والتصفية والتذوق حتى تخرج زجاجة الزيت لا كمنتج تجاري بل كوثيقة شرف بين الإنسان وأرضه وما يميز الوفاء عن غيرها أن الجودة ليست خيارًا بل عقيدة فالمعصرة تحرص على تطبيق أعلى معايير الإنتاج والنظافة والمعايرة الدقيقة مع التزام بالمواصفات الوطنية والعالمية في استخراج الزيت البكر الممتاز ما جعلها مقصدًا للمزارعين من مختلف مناطق الجنوب .

حين تنظر إلى المهندس سامر الملاحمة الطراونة تدرك أن وراء كل نجاح قصة رجل آمن أن التقدم الحقيقي يبدأ من الجذور لا من الأبراج مهندس حمل العلم لا كزخرف أكاديمي بل كوسيلة لرفع شأن الأرض وأهلها فسخر خبرته الهندسية ليجعل من الوفاء نموذجًا في إدارة الطاقة والإنتاج النظيف والكفاءة البيئية .

لم يكن المهندس سامر الملاحمة الطراونة مجرد صاحب مشروع بل صاحب رؤية آمن أن صناعة الزيتون يمكن أن تكون مدرسة في الإدارة وأن الوفاء اسمًا ومبدأ يمكن أن يتحول إلى فلسفة عمل هو من ذلك الجيل من المهندسين الذين جمعوا بين العقل العلمي والوجدان الوطني بين دقة الحساب ودفء الانتماء يرى في الزيتون سيرة وطن وفي كل قطرة زيت حكاية صبر لذلك بنى معصرته كما يبني المرء بيته الأول بالحلم والإصرار والإيمان بأن النجاح لا يُستورد بل يُزرع .

لم تعد الوفاء مجرد معصرة تبيع الزيت بل أصبحت عنوانًا للثقة ورمزًا لجودة لا تعرف المساومة من الكرك خرج زيت الوفاء ليصل إلى موائد الأردنيين في كل مكان حاملاً معه بصمة الجنوب وكرامة الأرض هي أكثر من مؤسسة إنتاج إنها مساحة لقاء بين الإنسان وطبيعته بين القديم والجديد بين الذاكرة والمستقبل

حين تغادر معصرة الوفاء يبقى في أنفك عبق الزيت الطازج وتبقى في قلبك قناعة أن بعض المشاريع لا تُقاس بعدد الزجاجات المنتجة بل بعدد القيم التي تحافظ عليها وفي زمن تُستهلك فيه الشعارات سريعًا تبقى الوفاء صادقة لاسمها وتبقى بصمة المهندس سامر الملاحمة الطراونة شاهدة على أن الوفاء للأرض هو أرقى أشكال الحداثة وأن الذهب الحقيقي ليس في المصارف بل في تلك القطرة التي تسقط من قلب الزيتونة على تراب الكرك.