بقلم: المحامي حسين أحمد عطا الله الضمور
في لحظة وطنية مهيبة، وقف جلالة الملك عبدالله الثاني أمام مجلس الأمة، لا ليقرأ خطابًا بروتوكوليًا، بل ليُعلن بوضوح أن الأردن ماضٍ بثقةٍ لا تعرف التراجع، وأن الإصلاح ليس شعارًا يُرفع، بل مسيرة يُكتب سطرها بعرق الأردنيين وصبرهم وثبات قيادتهم.
لم يكن الخطاب العرش السامي اليوم حدثًا سياسيًا عابرًا، بل كان وثيقة سيادية تضع النقاط على الحروف في زمنٍ تتداخل فيه الأزمات وتتشابك فيه المواقف.
فكلمات الملك جاءت كخارطة طريق تُعيد ترتيب الأولويات الوطنية، وتُخاطب كل مؤسسات الدولة بلغة الحزم والمسؤولية: “العمل لا الانتظار، والإنجاز لا التبرير.”
بين الثقة والمحاسبة… ملامح مرحلة جديدة
الخطاب الملكي حمل في طياته دعوة واضحة إلى استنهاض الهمم، وإعادة الثقة بين المواطن والدولة.
لم يُجامل، ولم يُخاطب العواطف، بل قالها بصراحة: الإصلاح الشامل هو خيار الدولة، ومن يقصّر في خدمته للمواطن لا مكان له في منظومة العمل الوطني.
تلك هي لغة القيادة الهاشمية التي لا تعرف المواربة، والتي تُصرّ على أن كرامة المواطن خط أحمر، وأن العدالة هي أساس الثقة العامة.
الأردن… الثابت في زمن المتغيرات
في إقليمٍ مضطرب، ودنيا تتبدّل تحالفاتها وأولوياتها كل يوم، يظل الأردن بقيادته الحكيمة صوت العقل والثبات.
وقد أعاد جلالة الملك في خطابه التأكيد على الثوابت الأردنية تجاه القضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس الشريف، مؤكدًا أن هذا الموقف ليس ملفًا سياسيًا، بل واجبًا تاريخيًا وشرعيًا لا يخضع للمساومة.
إنه صوت الحق حين يصمت كثيرون، وموقف الرجال حين تتنازع المصالح.
الكرك… مرآة الولاء ونبض الجنوب
في الجنوب، وتحديدًا في الكرك، تلقّى الناس الخطاب الملكي بفخرٍ واعتزاز، كما هو عهدهم الدائم بالقيادة الهاشمية.
قرأوا بين سطور الخطاب نبرةَ الحزم والصدق، وشعروا أن رسائل الملك موجهة إليهم بقدر ما هي موجهة للوطن بأكمله.
أبناء الكرك، الذين ما توانوا يومًا عن نصرة الوطن في المواقف الصعبة، يدركون أن هذا الخطاب هو دعوة لاستعادة روح الدولة المنتجة، لا الدولة المترهلة، وأن المرحلة القادمة لا تحتمل التباطؤ ولا التهاون.
كلمة الملك… وضمير الوطن
منذ تأسيس المملكة، كانت كلمات الملوك الهاشميين مرآةً للوعي الجمعي الأردني، تعكس نبض الناس وتوجّه بوصلة المستقبل.
واليوم، جاء خطاب جلالة الملك ليعيد رسم المشهد الوطني:
بين الواقعية والحكمة، بين النقد الذاتي والدعوة للعمل، بين الصبر على التحديات والإصرار على الإنجاز.
لقد قالها جلالة الملك بوضوح:
إن الدولة الأردنية قوية بمؤسساتها، راسخة في نهجها، لا تعرف المساومة على مبادئها، ولا تساير على حساب كرامتها
الخطاب الملكي السامي اليوم ليس نصًا عابرًا في سجل الجلسات البرلمانية، بل وثيقة وطنية تؤسس لمرحلة جديدة من الوعي والمسؤولية.
مرحلة عنوانها: أن الوطن لا يُبنى بالتصفيق، بل بالعمل؛ ولا يُصان بالقول، بل بالفعل.
إنها دعوة للضمير الأردني أن ينهض، وللمؤسسات أن تُحاسب، وللشعب أن يثق بأن قيادته تمضي على ذات الطريق: طريق الكرامة، والعدل، والثبات على الحق.






