بقلم فادي زواد السمردلي
*المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*
لن يحارب الفساد من كان فاسداً، هذا القول ينطبق بكل وضوح على الأفراد قبل المؤسسات والدول فالفاسد، مهما حاول أن يظهر نفسه مخلصاً أو نزيهاً، لن يكون قادراً على مقاومة ميوله وانتهاكاته السابقة فالإنسان الذي تعود على الخداع أو الاستغلال أو الكسب غير المشروع، سيظل أسيراً لرغباته ومصالحه، لن يتخلى عنها إلا إذا حدث تحول جذري في وعيه ونزاهته، وهو أمر نادر الحدوث الفاسد الذي اعتاد على الرشوة، أو الغش في العمل، أو التلاعب بمصالح الآخرين، لن يصبح فجأة نموذجاً للعدالة أو الأخلاق، لأنه يخشى أن يفضح نفسه، وأن أي جهد لمحاربة الفساد سيقوض مصالحه الشخصية ويكشف أسراره المدفونة.
الفرد الفاسد غالباً ما يحاول إخفاء أفعاله وراء أقنعة متعددة، يتحدث عن المبادئ والقيم بينما أفعاله تدل على عكس ذلك فهو قادر على تقديم وعود بالالتزام والأمانة، لكنه حين يُختبر أمام موقف يتطلب التضحية بمصلحته الشخصية، يختار البقاء على عاداته القديمة وهذا النمط السلوكي يجعل أي محاولات لمحاربة الفساد على مستوى الفرد مجرد واجهة، لأنه لا يستطيع أن يتحرر من قناعاته المتمركزة حول الذات والمكاسب الشخصية فالفرد الفاسد الذي يدّعي مكافحة الفساد يشبه السارق الذي يصرخ “أمسكوا اللص!”، يحاول تضليل الآخرين وإخفاء ممارساته الحقيقية.
محاربة الفساد على مستوى الأفراد تحتاج إلى وعي كامل ونزاهة مطلقة نتحتاج إلى شخص صادق مع نفسه أولاً، يراجع أفعاله ويحاسبها قبل أن يحاسب الآخرين، شخص لا يسمح لأنانيته أو مصالحه الشخصية أن تقوده إلى الانحراف فالفاسد على مستوى الفرد يكون غالباً محاطاً بأمثاله أو مستفيداً من ضعف الآخرين، وهذا يكرس لديه شعوراً بالحصانة الزائفة حتى وإن حاول أن يغير، فإن شبكة عاداته القديمة، والخوف من فقدان المكاسب، والاعتياد على استغلال الفرص، كل ذلك يعيق إمكانية تحول حقيقي.
إن أخطر ما يمكن أن يفعله الفرد الفاسد هو أن يقود أي حملة ضد الفساد، حتى لو كانت على نطاق محدود. فمحاولاته ستكون محدودة بقدر ما يحمي مصالحه، وستكون انتقائية، تختار الأشخاص الذين يمكن التضحية بهم دون أن يمس ذلك مصالحه. وهكذا، لا يتحقق أي إصلاح حقيقي، بل تتعمق ثقافة الغش والأنانية، ويستمر المجتمع في فقدان الثقة بين أفراده فالفاسد الذي يتحدث عن محاربة الفساد على المستوى الفردي يشوه مفهوم النزاهة ويجعل الآخرين يعتقدون أن الالتزام بالقيم مجرد شعارات، وأن كل محاولة للتغيير مصيرها الفشل.
لذلك، يجب أن يكون واضحاً لكل فرد أن محاربة الفساد تبدأ بالنزاهة الشخصية فلن يحارب الفساد من لم يتحرر من عاداته السيئة، ومن لا يستطيع مواجهة نفسه قبل مواجهة الآخرين فكل إصلاح حقيقي يبدأ بالوعي الذاتي، بالمحاسبة الشخصية، بالقدرة على رفض المكاسب غير المشروعة، وبالإيمان بأن الأمانة والصدق هما معيار العظمة الحقيقية للفرد فالفرد الفاسد الذي يدّعي الإصلاح لن يغير إلا بمقدار ما يخدم مصالحه، بينما الفرد النزيه هو من يقف أمام نفسه أولاً، ويصبح نموذجاً للمجتمع، ويثبت أن النزاهة ليست شعاراً بل سلوكاً حيّاً يُمارس يومياً، مهما كانت المغريات أو الضغوط.