مهندس فراس الصمادي
*هل يمكن لبيان سياسي عربي–إسلامي أن يتحول إلى بداية مسار عملي لنزع الشرعية عن إسرائيل في الأمم المتحدة؟*
*هل نحن أمام محطة جديدة من بيانات الشجب، أم أمام محاولة لتأسيس خارطة طريق مختلفة تعيد تعريف إسرائيل ككيان خارج عن القانون الدولي؟*
*وهل سيسمح الرد الأميركي–الإسرائيلي، الذي حذّر صراحة من الاعتراف بفلسطين، بمرور هذا المسار، أم أننا أمام إجهاض مبكر قبل أن يصل الزخم إلى نيويورك؟*
قد لا يكون البيان قرارًا تنفيذيًا كاملًا، لكنه يفتح الطريق أمام تحرك مصغّر في الساحة الدولية ويؤسس لما يمكن اعتباره خارطة طريق أولية لمسار نزع الشرعية. هو خطوة تأسيسية في مواجهة مشروع التصفية والضمّ والتهجير، ورسالة بأن زمن التعامل مع إسرائيل كدولة طبيعية قد انتهى، وأنها ستُعامل من الآن فصاعدًا ككيان خارج القانون الدولي، فاقد لشروط وجوده في المنظومة الأممية.
*من توصيف الاحتلال إلى الطعن في الشرعية*
البيان الختامي لقمة الدوحة لا يمكن التعامل معه كإعلان تضامن عابر، بل كتحوّل استراتيجي في الخطاب العربي–الإسلامي تجاه إسرائيل. فلأول مرة منذ عقود، لم تُوصَف إسرائيل فقط كدولة محتلة، بل ككيان فقد شروط عضويته في الأمم المتحدة.
فالعضوية التي مُنحت لإسرائيل عام 1949 لم تكن مطلقة أو مجانية، بل مشروطة باحترام قرار التقسيم (181)، وتطبيق قرار حق العودة (194)، والالتزام بميثاق الأمم المتحدة. على مدى أكثر من سبعين عامًا، لم تُخلّ إسرائيل بهذه الشروط فقط، بل عمّقت طابعها ككيان توسعي قائم على الإبادة والتهجير والحصار، في تحدٍّ صارخ للشرعية الدولية.
*تأثير البيان: غطاء لتحركات عملية*
هذا البند من البيان يشكّل سابقة مهمة: فهو يفتح الباب أمام أي مجموعة من الدول، عربية أو إسلامية أو حتى أوروبية، للتحرك تحت غطائه. فهو يشرعن تحركات مصغّرة لكنها مؤثرة مثل: تجميد صفقات تسليح، فرض عقوبات اقتصادية، أو إطلاق مسارات قانونية في المحاكم الدولية، على أساس أنّ هذه الخطوات ليست مبادرات فردية معزولة، بل تطبيق لإرادة جماعية.
*رسالة مزدوجة*
القيمة الاستراتيجية للبيان تكمن في أنه يعيد تعريف إسرائيل ككيان خارج عن القانون، ويمهّد لمسار نزع الشرعية عنها تدريجيًا. إنها رسالة مزدوجة: إلى إسرائيل بأن مشروع التصفية والضمّ والتهجير لن يمر دون مقاومة، وإلى المجتمع الدولي بأن استمرار إسرائيل كعضو طبيعي في الأمم المتحدة لم يعد أمرًا مسلّمًا به.
*كلمات القادة: خرائط فرعية داخل الخارطة*
إلى جانب البيان، جاءت كلمات القادة الثلاثة لتشكل مسارات مكمّلة:
– الملك عبدالله الثاني: المحرّك نحو القرارات العملية، مؤكدًا أن الرد لا يُترجم ببيانات شجب بل بإجراءات توقف الحرب، تمنع التهجير، وتصون القدس.
– الرئيس عبد الفتاح السيسي: التحذير الاستراتيجي من أن إسرائيل تهدد معاهدات السلام القائمة وتغلق الطريق أمام أي مسار تطبيعي جديد.
– ولي العهد السعودي محمد بن سلمان: إعادة طرح المبادرة العربية كإطار مرجعي، وربطها بالاعتراف الدولي المتنامي بفلسطين وبمؤتمر نيويورك كمنصة لحشد غير مسبوق نحو حل الدولتين.
*الرد الأميركي–الإسرائيلي: محاولة إجهاض وتصعيد مفتوح*
في المقابل، جاء تصريح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو من القدس المحتلة، إلى جانب بنيامين نتنياهو، ليكشف خطورة اللحظة. فقد حذّر من أن خطوات الاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة “لا تقرب الحل بل تعزز موقف حماس”، ملوّحًا بأن إسرائيل سترد على أي دولة تقدم على هذه الخطوة. هذه ليست مجرد رسالة سياسية، بل تهديد صريح يضع سقفًا استباقيًا أمام أي تحرك دولي لترجمة بيان الدوحة، وينذر بتصعيد قد يتجاوز غزة إلى عمل عسكري أوسع يجرّ المنطقة إلى حرب مفتوحة. الأخطر أن هذا الخطاب يكشف بوضوح نية واشنطن–تل أبيب تحويل مؤتمر نيويورك من منصة لبحث حل الدولتين إلى ساحة مواجهة سياسية وأمنية، عبر وصم الاعتراف بفلسطين بالإرهاب وتجريم أي محاولة دولية لرفع الشرعية عن إسرائيل. إنه رد استباقي يراد به إجهاض الزخم العربي–الإسلامي قبل أن يتحول إلى قرارات عملية، وإعادة الإمساك بخيوط اللعبة عبر التهديد بالقوة.
*الخاتمة: اختبار نيويورك*
بهذا الربط، يصبح البيان منصة جامعة، والخطابات الثلاثة مسارات مكملة، بينما يشكل الرد الأميركي–الإسرائيلي حائط صد مبكر يراد به تعطيل هذا المسار. نحن أمام معادلة مفتوحة: إما أن يتحول الزخم العربي–الإسلامي إلى خطوات عملية في مؤتمر نيويورك يوم 22 أيلول، أو يُعاد إنتاج الفراغ عبر تهديدات أميركية–إسرائيلية ترفع الكلفة وتعيد خلط الأوراق. قمة الدوحة منحت الغطاء، وكلمات القادة رسمت الاتجاه، لكن نيويورك ستكون المحك الحقيقي: هل يبدأ مسار نزع الشرعية عن إسرائيل، أم تُضاف محطة جديدة إلى سجل الفرص الضائعة؟
مهندس فراس الصمادي
كاتب سياسي