كتب الأستاذ المحامي حسين احمد عطاالله الضمور
…من منّا لا يحلم بأن يكون وزيرًا في يوم من الأيام؟ الوزارة منصبٌ يجذب الانتباه، ويفتح أبواب السلطة، ويضع صاحبه في دائرة الضوء. لكنّ السؤال الجوهري: من منّا عمل فعليًا من أجل أن يكون وزيرًا؟ ومن منّا هيّأ نفسه علميًا وعمليًا وأخلاقيًا لتحمّل هذه المسؤولية الثقيلة؟
إنّ الإنصاف يقتضي أن نبتعد عن إطلاق الأحكام السريعة والاتهامات الجاهزة التي تُحمّل الوزراء صفة “المحسوبية” دون تروٍ أو معرفة. فليس من العدل أن نحكم على الأشخاص بمجرد آرائنا أو مشاعرنا. ولعلّ قراءة السير الذاتية للوزراء تكشف لنا أننا أمام قامات تمتلك الكثير من المؤهلات، وأنّ وصولهم إلى الوزارة لم يكن مصادفة، بل نتيجة مسار طويل من الدراسة، الخبرة، العمل العام، والإسهامات الوطنية.
الوزارة ليست منصبًا اجتماعيًا للتفاخر، ولا مقعدًا مريحًا يجلس عليه صاحبه ليلتقط الصور. الوزارة مسؤولية وطنية كبرى، تتطلّب شجاعة القرار، وبعد النظر، والقدرة على تحمّل النقد والضغوط، والتعامل مع الملفات المعقدة التي تهم الوطن والمواطن. الوزير الناجح هو الذي يوازن بين الفكر والتخطيط من جهة، والتنفيذ والعمل الميداني من جهة أخرى.
إنّ الطموح مشروع، لكنّه لا يكفي وحده. فلكي يكون المرء وزيرًا بحق، عليه أن يُهيّئ نفسه مسبقًا: بالعلم الواسع، بالكفاءة الإدارية، بالخبرة العملية، وبالقيم الأخلاقية التي تحكم سلوكه في المنصب وخارجه. فالمناصب الرفيعة لا تُنال بالرغبات ولا بالشعارات، بل بالجدارة والاستحقاق.
من هنا، علينا أن نُغيّر من طريقة نظرتنا إلى الوزراء والمسؤولين، وأن نبتعد عن ثقافة “التشكيك الدائم”، لنقترب أكثر من ثقافة “المحاسبة العادلة”. نعم، من حقنا أن ننتقد أداء أي مسؤول، لكن النقد يجب أن يكون موضوعيًا مبنيًا على الوقائع والنتائج، لا على الظنون والانطباعات.
في النهاية، الوزارة مسؤولية وليست امتيازًا، خدمة وليست وجاهة. والعدل يقتضي أن نُعطي كل ذي حق حقه، وأن نُدرك أنّ بناء الأوطان لا يتحقق بالاتهامات ولا بالمناكفات، بل بالعمل الجاد، وباحترام الكفاءات التي وصلت إلى مواقع المسؤولية عن جدارة.