جامعاتُنا بخيرٍ

10 ثواني ago
جامعاتُنا بخيرٍ

بقلم: د. معروف سليمان الربيع

تمرّ منظومةُ التعليمِ العالي في الأردنّ بمرحلةٍ حسّاسة، وقد جاءت تصريحاتٌ منسوبةٌ إلى معالي وزير التعليم العالي حول نزاهةِ البحثِ العلمي وتصنيفاتِ الجامعاتِ لتفتحَ بابَ النقاشِ حول سُبلِ تطوير الأداء الأكاديمي وتعزيزِ ثقة المجتمع بالمؤسساتِ التعليمية.

ورغم ما أثارته هذه التصريحاتُ من جدلٍ واسعٍ بسبب ما فُهم منها على أنه تعميمٌ قد يُساءُ تفسيرُه على نحوٍ يطال سمعةَ الجامعاتِ الرسمية، فإننا نُقدّر لِمعالي الوزير حرصَه الصادق على الإصلاح، مع التأكيدِ على أهميةِ أن تتزامنَ هذه الطروحات مع وضوحٍ في المقاصدِ حتى لا تُفهمَ خطأً وكأنها موجهةٌ ضد إداراتٍ أكاديميةٍ ناجحة، الأمر الذي قد يُضعفُ من فاعليةِ الرسائلِ الإصلاحيةِ المنشودة.

وتوضيحًا لما ورد، فقد تبين لنا أنّ ما نُسِب إلى معالي الوزير ليس موجَّهًا إلى الجامعاتِ الرسميّةِ الملتزمة، بل إلى ممارساتٍ فرديّةٍ محدّدةٍ تتعلّقُ بسوءِ استخدامِ أدواتِ الشفافيّة، وهي قضايا تستوجبُ معالجةً مؤسّسيّةً هادئة.

فالجامعاتُ الرسميّةُ الكبرى، مثل الأردنيّة واليرموك والتكنولوجيا والهاشميّة والبلقاء، متميزة بقياداتها وانجازتها وتقدمها وتطورها المستمر ، لتبقى ركيزةً وطنيّةً راسخة، رغم ما تواجهه من تحدّيات، خاصّةً على الصعيدِ المالي، الأمرُ الذي يستدعي دعمًا حكوميًّا مباشرًا، وفي مقدّمته تسديدُ المستحقّاتِ المتأخّرة، والمتمثّلةِ في عوائدِ المكرماتِ المدنيّةِ والعسكريّة، والتي بات صرفُها استحقاقًا وطنيًّا مُلحًّا، في ضوءِ ما تُعانيه الجامعاتُ من تراكمِ الديونِ والفوائدِ البنكيّةِ المتزايدةِ يومًا بعد يوم، ممّا يُهدِّدُ استقرارَها المالي ويُقوِّضُ قدرتَها على الاستمرارِ بأداءِ رسالتِها.

ورغمَ محدوديّةِ الموارد، فقد حقّقت إداراتُ هذه الجامعاتِ إنجازاتٍ نوعيّةً في البحثِ العلمي، وسُجِّلت براءاتُ اختراعٍ باسمِ طلبتِها وأكاديميّيها، وهي إنجازاتٌ تستحقُّ التقديرَ والتشجيعَ والاحترام .

نوجّهُ رسالةً إلى بعضِ العاملين الذين يرفعونَ شعارَ الإصلاح، لكنّهم يختزلونه في النقدِ المتكرّرِ والتشكيك، ونقولُ لهم: إنّ الإصلاحَ الحقيقيَّ لا يكونُ بإرباكِ المشهدِ أو النَّيلِ من الإداراتِ الناجحة، بل بالتقييمِ العلميِّ الرصين، والشراكةِ الفاعلة، والدعمِ المسؤولِ الذي يُبنى على الثقة، لا على اقتناص المواقف أو التأويل.

وفي ختامِ هذا الموقفِ الوطنيّ، نوجّهُ رسالةً صادقةً إلى معالي الوزير: إنّ تعزيزَ الثقةِ بمنظومةِ التعليمِ العالي يبدأُ من تقديرِ الجامعاتِ الرسميّة، ودعمِها،  جامعاتِنا ليست عبئًا، بل مناراتِ عزٍّ وكفاءة، تستحقُّ الثقةَ والدعم، ويجبُ أن نُفاخرَ بها في كلّ المحافل، لا أن يُشكَّكَ فيها من أصحابِ الأجنداتِ الخاصّة، لأهدافٍ ضيّقةٍ وشخصيّةٍ، على حسابِ المصلحةِ العامّة.