رسالة من سفيان نيابة عن آلاف الصامتين

49 ثانية ago
رسالة من سفيان نيابة عن آلاف الصامتين

د. هاني العدوان

وصلتني رسالة مؤثرة من شاب أردني يدعى سفيان مكارنة، تحمل بين سطورها وجعا صامتا يعبر عن حال آلاف الشباب في زوايا الوطن، تخرج من جامعة البلقاء بتخصص نظم معلومات حاسوبية عام 2009، ومنذ ذلك الحين وهو يسعى وراء فرصة عمل تليق بما حمله من علم وطموح، لكنه اصطدم كغيره بواقع معقد من الانتظار الطويل والفرص المحدودة

عمل سفيان معلما بديلا، وتحمل ظروفا صعبة، من قلة الإمكانات إلى ضعف التقدير، لكنه لم يتراجع، بادر بابتكار أنشطة لدعم الطلبة، وسعى لمعالجة الفجوة التعليمية بأساليب خلاقة، دون أن يمنح ما يستحق من دعم أو تقدير، خمس سنوات من العطاء المؤقت، والتعب الطويل، ثم العودة إلى الطابور من جديد في ديوان الخدمة، والرد نفسه لم يحن دورك بعد

وبينما تم تعيين آخرين بمبررات إنسانية، ظل سفيان ينتظر، وبعد ستة عشر عاما من التخرج، وغياب الأفق، وجد نفسه مضطرا للعمل سائق باص توصيل، في مهنة لا تعبر عن قدراته ولا أحلامه، لكنه لجأ إليها بكرامة، حفاظا على لقمة العيش

قصة سفيان ليست فريدة، بل تتكرر يوميا، شباب تخرجوا بأمل كبير، ثم دخلوا نفق الانتظار، تائهين بين قرارات متغيرة، وبرامج تشغيل غير مستدامة، وفرص لا توزع بالعدالة المطلوبة، وهم اليوم يقفون على مفترق طرق، بعضهم هاجر، وبعضهم ما زال يأمل، والبعض يعيش حالة من القلق الصامت

لقد أكد جلالة الملك عبد الله الثاني في مناسبات متعددة أن الشباب هم أولوية الأولويات، وهذا ما نأمله جميعا، أن تتحول هذه التوجيهات إلى سياسات عملية، تنفذ بروح من العدالة والشفافية، وتستهدف بناء مستقبل كريم لأبناء الوطن

لسنا هنا بصدد اللوم أو الاتهام، بل نسعى إلى إضاءة واقع يحتاج إلى التفاتة جادة، نحن بحاجة إلى سياسات تشغيل واقعية، وإلى منصات تمكين حقيقية، تعيد الثقة للشباب، وتفتح أمامهم أبواب المستقبل، لا أبواب الانتظار الطويل أو العمل القسري في غير مجالاتهم

فالكرامة ليست شعارا، بل مسؤولية، والوطن لا يبنى بالوعود، بل بالقرارات التي تترجم الإرادة السياسية إلى إنجازات يلمسها الناس في حياتهم اليومية

وإنني إذ أضع بين أيديكم هذه القصة، فإنني لا أروي حكاية فرد، بل أنقل وجع جيل كامل، وأتوجه بمظلمة سفيان باعتبارها حالة عامة تمثل واقع كثير من شباب الوطن، إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، أطال الله في عمره، وسدد على دروب الخير خطاه، إن أبناءكم، شباب هذا الوطن يا جلالة الملك لا يطلبون امتيازات، بل يبحثون عن فرصة عادلة، وحق منصف، ومكان في وطنهم يليق بطاقاتهم وإخلاصهم، وهم على يقين أن يد العدالة والرعاية لا تزال تمتد من قلبكم الكبير لكل محتاج، ولكل من ضاق به الأمل