بقلم فادي السمردلي :
بات من المألوف أن تخرج علينا بعض الأحزاب والمنصات السياسية بشعارات براقة ومصطلحات لامعة مثل “الدولة المدنية” و”الحداثة السياسية” و”إعادة تعريف الهوية”، في محاولة لإضفاء صورة تقدمية على مشاريعها، لكنها في جوهرها تفتقر إلى أهم ركن في أي مشروع وطني حقيقي الهوية الوطنية الأردنية ولعل أخطر ما في هذا المشهد هو أن هذه التيارات – التي غالبًا ما تضع نفسها في موقع “الطليعة التنويرية” – لا تسعى إلى ترسيخ مفاهيم الديمقراطية بقدر ما توظفها كغطاء لإضعاف المرجعية الوطنية والروابط الجامعة للمجتمع، تحت لافتات خادعة من الحرية والانفتاح.
ليست المشكلة في مفهوم “الدولة المدنية” بذاته، فهو في أصله يعني دولة القانون ، لكن المشكلة تظهر حين يُطرح هذا المفهوم من قبل بعض الأطراف على أنه نقيض لهوية الدولة الأردنية وموروثها الاجتماعي والسياسي والديني، أو كأنه مشروع بديل عن الدولة ومؤسساتها وقيمها التاريخية وهنا يُصبح الخطاب المدني واجهة لهدم الثوابت لا لبنائها، ويُسخّر لتفريغ مؤسسات الدولة من رمزيتها الوطنية، وليس لتقويتها أو إصلاحها.
هذه النوعية من الأحزاب تحاول فرض تصور نخبوي على مجتمع واسع متنوع، وهي تنطلق غالبًا من خطاب إقصائي يتعامل مع الهوية الأردنية كعائق أمام التقدم، بدلًا من أن تراها القاعدة التي يُبنى عليها الإصلاح السياسي والاجتماعي فتراهم يرفعون شعارات الديمقراطية والحداثة، لكنهم في واقع الأمر يسعون إلى تفكيك الانتماء الوطني لصالح مفاهيم معلبة مُستوردة لا علاقة لها بطبيعة المجتمع الأردني ولا بتاريخه السياسي.
وفي هذا السياق، نُؤكد بكل وضوح أن أي مشروع سياسي لا يرتكز إلى الهوية الوطنية الأردنية، ويُحاول أن يتجاوزها أو يتنكر لها، هو مشروع مرفوض شعبيًا وسياسيًا وأخلاقيًا فالديمقراطية الحقيقية لا تقوم على تشويه الرموز التاريخية للدولة، بل تُبنى على الاعتراف بها وتعزيزها كجزء من العقد الاجتماعي.
الوعي السياسي المطلوب اليوم لا يكفي أن يكون نقديًا فقط تجاه الحكومات والمؤسسات، بل يجب أن يمتد أيضًا إلى مراجعة الخطاب الحزبي الذي يتخفى وراء شعارات براقة، ويُسوق لأجندات بعيدة عن السياق الأردني إذ لا يمكن أن نقبل تحت أي ظرف أن تتحول الديمقراطية إلى وسيلة اختراق ثقافي أو تلاعب سياسي بالثوابت، كما لا يمكن أن تكون “الدولة المدنية” بابًا خلفيًا لإلغاء الهوية الأردنية أو تقزيمها لصالح اجندات وطروحات لا تجد صدى حقيقيًا في وجدان الأردنيين.
وفي النهاية، فإن أي دولة – مدنية كانت أم غير ذلك – لا تنطلق من مرجعية الهوية الوطنية الأردنية، هي دولة بلا جذور، وبلا قبول، ولن يُكتب لها الاستمرار. ومن هذا المنطلق، فإن الدفاع عن الديمقراطية يبدأ بالدفاع عن هوية الدولة، وعن انتماء المواطن لها، وعن مشروع وطني واضح المعالم، لا يتلون وفق المزاج الحزبي أو ضغوط التمويل أو هوى بعض النخب المؤقتة.