بقلم – د. معروف سليمان الربيع
في خضم تصاعد الخطابات النقدية تجاه مؤسسات التعليم العالي، تطفو إلى السطح آراء تُحمّل الجامعات مسؤوليات بحجم الدولة، وتُقوّم أداءها بمعايير شديدة المثالية، بل وأحيانًا مجحفة، تغفل السياق الوطني والمالي والسياسي الذي تعمل ضمنه.
آخرها ما كتبه أ.د نضال يونس استشاري جراحة الغدد الصماء في مستشفى الجامعة الأردنية ، على صفحة الفيس أهل الهمة – الجامعة الأردنية ، والذي نجلُّ مكانته وتاريخه الطبي المشرف، حين تساءل بشكل غير منطقي ، لا يجافي حقيقة وواقع الجامعات :
أين اختراعات الجامعات؟ وأين حلولها لقضايا البطالة والفقر والتصحر؟ وهل نصنع طائرات درون أو مركبات فضاء؟
ولكن، وقبل أن نُدين المؤسسة الجامعية، فلنتوقف قليلًا ونراجع ما يحدث بالفعل، لا ما نتمناه دفعة واحدة!
جامعة اليرموك.. استثمار في المستقبل رغم التحديات :
جامعة اليرموك، على سبيل المثال، ليست مجرد مؤسسة أكاديمية، بل صرح وطني يحتضن أكثر من 35 ألف طالب، وتقودها اليوم إدارة إصلاحية يقودها رئيسها الأستاذ الدكتور إسلام مساد، الذي يدير الجامعة بخطاب عقلاني وتقدمي، رافعًا شعار العمل الصامت والإنجاز الواقعي.
رغم حداثة كلية الطب فيها، والتي تأسست فقط عام 2013، فإنها تمضي بخطى ثابتة نحو التميز، من خلال تطوير المناهج، ورفع كفاءة التدريب السريري بالشراكة مع مستشفيات وزارة الصحة، إضافة إلى مشاريع استراتيجية لبناء مستشفى جامعي تعليمي يُتوقع أن يُحدث تحولًا في الطب الأكاديمي وخدمة المجتمع المحلي في الشمال.
التصنيفات ليست شكلاً فقط! :
التقدم في تصنيفات مثل QS أو التايمز ليس ترفًا أكاديميًا ولا سباقًا وهميًا كما يُصوّر البعض. إنها انعكاس لجهد بحثي وتعليمي منظم.
جامعة اليرموك مثلًا، قفزت للمرتبة 801-1000 عالميًا في تصنيف QS لعام 2025، واحتلت المرتبة الثانية محليًا، وذلك بعد:
١- مضاعفة الإنتاج البحثي خلال ثلاث سنوات بنسبة تتجاوز 45%.
٢- توسيع الشراكات الأكاديمية الدولية.
٣- تعزيز جودة البرامج باللغة الإنجليزية لتأهيل خريج تنافسي في سوق العمل.
الابتكار قادم.. والنتائج في الطريق :
رغم التحديات المالية، أطلقت الجامعة مركز الريادة والابتكار، والذي دعم أكثر من 80 مشروعًا طلابيًا، بعضها في مجالات الصحة والطاقة والزراعة الذكية.
كما شارك طلبة كلية الحجاوي للهندسة في مسابقات محلية وإقليمية، وحصدوا جوائز بمشاريع منها:
١- جهاز مبكر لتشخيص السكري.
٢- نموذج أولي لطائرة درون للري الذكي.
٣- تصميمات لأنظمة الطاقة المتجددة للمناطق النائية.
منجزات لا تُشاهد في عناوين الأخبار :
من المهم أن نعي أن الجامعات لا تصنع المعجزات وحدها، ولكنها تبني الأساسات.
مشكلة البطالة لا تُحل في قاعات المحاضرات، بل بتكامل السياسات الاقتصادية والتشريعات وسوق العمل.
ومع ذلك، فإن جامعة اليرموك تنفذ برامج تأهيلية ومهنية بالتعاون مع منظمات دولية، وتدرب آلاف الشباب في الشمال على مهارات تؤهلهم للعمل الذاتي أو الاندماج في السوق.
كلمة أخيرة..
الجامعات ليست عاجزة، بل مثقلة. والمطلوب منا دعمها لا تقزيمها.
هي تزرع لمستقبل ربما لا يُرى اليوم، ولكنّه سيؤتي أُكله إذا استمررنا بالاستثمار لا بالتهكم، وبالنقد البنّاء لا جلد الذات.
كفانا تساؤلًا: “أين اختراعاتكم؟”، ولنبدأ بسؤال أكثر وعيًا: “ماذا فعلنا نحن لدعمها؟”