بقلم فادي زواد السمردلي
آن الأوان لأن نقف وقفة صادقة أمام واقع الإعلام الرسمي في الأردن، ونتساءل بجديةزهل ما زالت هذه المنظومة قادرة على أداء دورها كما ينبغي؟ هل ما يُقدّم على شاشاتنا ومنصاتنا الرسمية يعبّر عن المواطن الأردني، بأحلامه وهمومه وتطلعاته؟ الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن الإعلام الرسمي يعيش حالة من الجمود والتقليدية، بينما العالم من حولنا يشهد تحولات إعلامية متسارعة، يقودها الإبداع، والشفافية، والانفتاح، والتفاعل الحقيقي مع الناس. لذلك، فإننا بحاجة إلى إعادة هيكلة جذرية وشاملة لمنظومة الإعلام الرسمي، لا تكتفي بتغيير الوجوه أو الشعارات، بل تمس الجوهر والرسالة والوسائل، وتعيد الثقة بين الإعلام الرسمي والمواطن.
النقطة الأهم في هذا التغيير يجب أن تبدأ من التلفزيون الأردني، الذي ما زال حتى اليوم يُنظر إليه كرمز للإعلام الرسمي، لكنه للأسف لم يستطع مواكبة تطور المشهد الإعلامي العربي والعالمي فلا يكفي أن نُحسّن جودة الصورة أو نُضيف نشرات جديدة، ما لم نُحدث ثورة حقيقية في المحتوى والطرح، تعكس تنوع المجتمع الأردني، وتفتح المجال أمام النقاش الحقيقي والمساءلة والبناء، لا مجرد الترويج والدعاية فلقد أصبح المتلقي الأردني أكثر وعيًا وذكاءً، ويملك مصادر لا حصر لها للحصول على المعلومات، وبالتالي لا يمكن إقناعه برسائل قديمة بأساليب تقليدية.
وفي قلب هذا التحول، يجب أن تتحول وزارة الإعلام من مجرد مظلة بيروقراطية أو إدارة موجودة على الورق إلى كيان فعّال ومؤثر، يملك أدوات العصر، ويتحرك برؤية واضحة. نريد وزارة إعلام تعرف جمهورها، وتستمع إليه، وتبني استراتيجيات على أساس من الشفافية والمهنية، لا المجاملات والتقارير المنمقة. يجب أن يكون هدفها خلق إعلام مسؤول، يخدم الصالح العام، ويقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وينقل الحقيقة كما هي، دون تزيين أو تضخيم.
ولا يمكن تحقيق ذلك دون فتح الأبواب أمام الكفاءات الشابة والمتنوعة، من الصحفيين والمخرجين والمنتجين وصناع المحتوى، الذين يفهمون لغة العصر ويجيدون استخدام أدواته فنحن بحاجة إلى دم جديد، إلى عقول تفكر خارج الصندوق، وإلى إعلام يُشبه الناس الذين يخاطبهم. التنوع في المجتمع الأردني لا يجب أن يكون عبئًا، بل مصدر غنى يُترجم في الإعلام من خلال التعدد في الرؤى، واللهجات، والقصص، والتجارب.
الإعلام ليس رفاهية، بل ركن أساسي في استقرار الدولة وتعزيز انتماء المواطن. إذا أردنا منظومة إعلامية تخدم الأردن بصدق، وتكون صوتًا للشعب، ومرآة لنبضه، فعلينا أن نعيد بناء هذه المنظومة من الأساس، برؤية حديثة، وفكر جديد، وجرأة في اتخاذ القرار. نحتاج إلى إعلام يعكس واقعنا، لا يُجمّله، يُنير العقول، لا يُغرقها في الرتابة، ويُعيد رسم العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة على أسس من الصراحة والاحترام المتبادل.
باختصار، نحن لا نحتاج إلى تجميل السطح، بل إلى عملية جراحية عميقة تعيد الروح إلى جسد الإعلام الرسمي فلا نملك رفاهية التأجيل أكثر، فالجمهور تغيّر، والعالم تغيّر، والمستقبل لن ينتظر من لا يملك الشجاعة للتغيير.